في كل مرة يقوم فيها متطرف في العالم الإسلامي بعمل جنوني، يطالبُ الناسُ المسلمين المعتدلين، بإدانة التطرف. لذلك، دعُونا نوجِّه هذه النصيحة إلى أنفسنا: يجب علينا نحن كأميركيين، أن نعمل على إدانة متطرفينا. من هذا المنطلق، أقدم اعتذاراتي إلى المسلمين. فالقسوة التي انطوى عليها قرار حظر السفر إلى الولايات المتحدة، على رعايا دول إسلامية معينة يمثل إهانة لنا جميعاً، وليس لكم، وعليكم أن تفهموا شيئاً واحداً بوضوح تام وهو«دونالد ترامب ليس هو أميركا». أقدم اعتذاري لـ«نادية مراد»، الشابة اليزيدية العراقية الشجاعة، التي تعرضت للعبودية الجنسية ولكنها ومنذ هروبها، قامت بحملات حول العالم ضد «داعش»، والعبودية الجنسية، ورُشحت لنيل جائزة نوبل للسلام، ولكنها الآن، وللأسف الشديد، باتت ممنوعة من دخول الولايات المتحدة. وأقدم اعتذاري أيضا لـ«إيدنا عدن» المرأة الصومالية البطلة، التي كافحت لعقود من أجل قضية صحة المرأة، وقادت المعركة ضد ختان الإناث في بلادها، وهي أيضاً باتت محرومة من دخول الولايات المتحدة، على الرغم من أنها تدافع عن حق البنات في التعليم، وتتحدى المتطرفين. لا أود أن أتمادى في اتهام ترامب بالتطرف، فهو لم يقطع رأس أحد حتى الآن، كما أن التحدي الأمني الذي تواجهه الولايات المتحدة حقيقي، ولكن المشكلة أن ترامب واجه التحدي الأمني، بطريقة تعزز من سردية «داعش»، وتجعلنا بالتالي أقل أمناً. في الواقع، ترامب تناول مشكلة حقيقية، وعمل على تضخيمها بطريقة هيستيرية، وعالجها بأسلوب يفتقر إلى الكفاءة، واتَّبع سياسة غير عادلة، تستهدف رعايا سبع دول، معظمها دول إسلامية فقيرة، لم يخرج منها أي شخص من الأشخاص المتورطين في أي هجوم، من الهجمات الدموية، التي وقعت في الولايات المتحدة منذ، وقبل الحادي عشر من سبتمبر. والخوف المرضي من الإسلام «الإسلاموفوبيا» يتخلل كل جزء من أجزاء الأمر التنفيذي الصادر بهذا الخصوص، كما أن «رودي جيولياني» قد أوضح لنا المسألة إلى حد ما، عندما قال لنا إن ترامب قد طلب منه أن يبتكر طريقة يستطيع بها أن يفرض حظراً على المسلمين، وأن «يكون ذلك على نحو قانوني». لقد جلستُ في مساجد في باكستان، وأفغانستان، واليمن، وسمعت المتطرفين، وهم يبررون عدم التسامح. وفي الحقيقة أن هؤلاء الرجال (دائماً رجال) يمارسون التمييز ضد الآخرين، ويصفونهم بأنهم كفار، يختلفون عنهم اختلافاً بيّناً، وأنهم يشكلون تهديدات تجب مواجهتها. وترامب من جانبه يمارس نفس التمييز ضد المسلمين. في هذا الإطار أشار«مايك فلين» مستشار ترامب للأمن القومي، إلى الإسلام باعتباره «سرطاناً». وفي رأيي أن الهوَّة الحقيقية ليست بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الأديان الأخرى، ولكن بين المعتدلين والمتطرفين من أتباع أي دين. لذلك أعتذر إلى المسلمين. فقد يكون من بينهم نماذج سيئة للغاية، ولكن ما لا شك فيه أن فيهم أيضاً نماذج تعتبر هي الأفضل على الإطلاق. فمن بين أساتذة جامعة «رودس» المختارين حديثاً لاجئ صومالي، هو «أحمد أحمد»، الذي وُلد في معسكر للاجئين الصوماليين في كينيا، وجاء إلى الولايات المتحدة، وعمره لم يزل عاماً واحداً فقط، وتولت تربيته أم وحيدة مكافحة. هذا الرجل الذي اعتاد، عندما كان طالباً الوجود في مبنى مدرسته الثانوية في الخامسة والنصف صباحاً، كي يبدأ المذاكرة قبل زملائه، نجح نجاحا باهراً، والتحق بجامعة كورنيل المرموقة في ولاية نيويورك، وحصل منها على جائزة أفضل طالب. إذا كنا نريد مثلاً ملهماً آخر للكيفية التي يمكن بها للمعتدلين أن يتصدوا بنجاح للمتطرفين، فلدينا المثال الخاص بطبيبة أمراض النساء الصومالية الاستثنائية «د. حواء عبدي» التي رفضت تسليم إدارة المخيم التي كانت تديره لإيواء النازحين في الصومال للمتطرفين، عندما طالبوها بذلك وهددوها بالقتل. وقام الصوماليون في الداخل وفي بلاد الغربة، بالاحتجاج على المتطرفين، وانبروا للدفاع عنها. وفي النهاية وعندما اشتد الضغط على المتطرفين، اضطروا إلى الرضوخ مرغمين، وخرجوا من المعسكر. وإذا ما كان الصوماليون قادرين على التصدي للمتطرفين، فنحن أيضاً نستطيع ذلك. من الأشياء التي تُثلج الصدر في الوقت الراهن أن الأميركيين من جميع المِلل والأديان، يقفون صفاً واحداً لمكافحة تعصب مماثل لذلك الذي تعرض له اليابانيون، إبان الحرب العالمية الثانية، عندما عملت السلطات على ملاحقتهم واعتقالهم كإجراء وقائي. ففي فيكتوريا، تكساس، وبعد أن أتت النار على الجامع الوحيد، بعد ساعات قليلة من إعلان ترامب حظر السفر على المسلمين، قام الزعماء اليهود في المدينة بتسليم المسلمين مفتاح أحد معابدهم، كما وفَّرت أربع كنائس مساحاتها الخاصة للمسلمين كي يؤدوا الصلاة فيها للفترة التي يريدون، وفي خلال أيام قليلة تبرع أناس من مختلف الأديان والعقائد بمبلغ مليون دولار من أجل بناء المسجد من جديد. وفي احتجاج المطار، كان من بين الصور التي جرى إعادة نشرها على نطاق واسع، تلك الصورة التي تبرز يهودياً ومسلماً، يحتجّان جنباً إلى جنب وقد حمل كل واحد منهم طفلاً على كتفيه. إنني أحلم بيوم يحتجّ فيه اليهود على «الإسلاموفوبيا»، ويقوم المسلمون من جانبهم بشجب اضطهاد المسيحيين في بلدانهم، ويقوم المسيحيون بالوقوف ضد نزعة معاداة السامية. هذه هي الأسباب التي تجعلني أعتذر إلى المسلمين، وهي أيضاً ما يفسر السبب في أننا جميعاً، لا المسلمون فحسب، يجب أن نقف صفاً واحداً، ونعمل على شجب التطرف بين ظهرانينا. *كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»