أحمد عثمان (باريس)

توفي الفيلسوف الفرنسي الشهير جورج شتاينر عن 90 عاماً، مساء أمس الأول «الاثنين» في كامبريدج بالمملكة المتحدة، حسبما أعلن ابنه دافيد شتاينر، تاركاً خلفه نتاجاً كاملاً من الأبحاث والدراسات المقارنة.
وشتاينر مفكر، بروفيسور، ناقد، باحث، فيلسوف. وسمت حياته بكثير من المغامرات الأدبية في أربعة أركان العالم. ولد في باريس يوم 23 أبريل 1929 لعائلة نمساوية هاجرت إلى فرنسا للظروف السياسية المضطربة عصرذاك وصعود النزعات القومية. في عام 1940، قرر والداه الرحيل إلى نيويورك. ودرس في عدد من الجامعات الأميركية: «يال» و«شيكاغو» و«هارفارد» و «أكسفورد». اشتُهر بكتاباته النقدية في المجلة الأميركية «ذا نيويوركر» من عام 1966 إلى عام 1997، والمجلة الأسبوعية «ذا ايكونوميست» خلال أربع سنوات بدءاً من عام 1952.
عضو في الأكاديمية البريطانية. حاز كثيراً من الجوائز الفخرية من كثير من الجامعات، وعلى وجه الخصوص جامعة كامبريدج. درس في هارفارد، نيويورك، جنيف، حيث كان أستاذاً فخرياً بالأخيرة.
لم تخف اللغات أسرارها عنه: يعرف القراءة والكتابة بالفرنسية، الإنجليزية والألمانية، يجيد اليونانية القديمة واللاتينية. في الحقيقة، كان يمتلك موهبة القراءة ما بين الأسطر ومقارنة كثير من الأعمال ببعضها بعضاً. في عام 1978، نشر على وجه التحديد كتابه العمدة «بعد بابل»، دراسة مقارنة لكتاب أوروبيين متموضعة على الاستعارة. وهذه الدراسة أثارت الانتباه إليه وترجمت إلى عدد كبير من اللغات العالمية.
في كتابه «الكتب التي لم أكتبها» الصادر في عام 2008، دوَّن ووصف سبع أفكار عن كتب شغلت ذهنه خلال سنوات، بيد أنه لم يقم أبداً بصياغتها على الورق. ولكن يجب ألا ننسى كتابه الأشهر في المحيط الفرنسي الذي صدر عن مطبوعات غاليمار في عام 2010: «قراءات.. مختارات من النيو يوركر». هذا الكتاب ساعدنا على أن نتأمل معه المصائر الكبرى: من نقد الفن والعميل السوفييتي أنطوني بلونت إلى جورج أورويل، مرورا برولان بارت، ميشال فوكو وجاك ديريدا: «معهم، فقدت الانتلجنسيا الفرنسية آخر نجومها»، كما قال مراراً وتكراراً. وفي هذا الكتاب سعى إلى الإجابة عن سؤالين يجذبان تأملاته: إلى أي مدى نحن في حاجة إلى تعظيم الوجود، على وجه الخصوص حينما يبتسم لنا؟ هل يجعلنا نعاني لما يثير حزننا، بالأخص بعد ما جرى خلال الحرب العالمية الثانية التي لم تحجب أوروبا العالمة؟
يعد واحداً من أكبر المثقفين المعاصرين، غير أنه لا يحب هذه الكلمة «مثقف»، مفضلاً عليها «سيد القراءة». كناقد أدبي وباحث، نشر مقالاته (في «النيو يوركر» و«تايمز ليتريري سابلمنت») وثلاثين كتاباً منها: «في قصر ذي اللحية الزرقاء»، «طريق الثقافة» (2009)، «تولستوي أو دوستويفسكي» (1963)، «اللغة والصمت» (1969)، «بعد بابل: شعرية القول والترجمة» (1975)، «مارتن هيدجر» (1981)، «معنى المعنى» (1988)، «أهواء غير معاقبة» (1998)، «الكتب التي لم أكتبها» (2008)، «من يحرقون الكتب» (2008)، وغيرها.