تواجه المزيد من المؤسسات الأوروبية خطر الأزمة، في ظل تفاقم سوء الأحوال الاقتصادية، مما يشير إلى عمق تأثير أزمة الديون السيادية وبطء الطلب العالمي على أرباح الشركات في أوروبا. وبعد إعلان الشركة الصناعية الألمانية العملاقة “سيمنز” عن تراجع في أرباحها في آخر ربع، حذرت مؤخراً من فقدان الاقتصاد التدريجي لقوته عموماً، متفقة مع نفس الرسالة التي وجهتها “باسف” أكبر شركة لصناعة الكيماويات في العالم. كما تعكس نتائج شركة “دانون” الفرنسية لمنتجات الألبان، الضغوطات التي تواجهها الشركات في تكاليف المواد الخام والتأثير الذي ربما ينعكس على التضخم في أوروبا. وتشير نتائج المؤسسات الأخيرة مجتمعة إلى رسالة مشتركة من الشركات الأوروبية مفادها تدهور الطلب واستمرار ارتفاع أسعار المواد الخام، بالإضافة إلى أولوية الاهتمام بخفض التكاليف بدلاً من خطط التوسع. وتأتي التحذيرات من مؤسسات تجارية تنتمي لمعظم القطاعات باستثناء شركات تقنية المستهلك ومعظم شركات صناعة السيارات. وبتناقض صارخ في وقت سابق من العام الحالي، جاءت التحذيرات أيضاً من ألمانيا التي تمثل محرك النمو ومركز القوى بالنسبة لصادرات منطقة اليورو، كما أنها توفر دلائل مثيرة للقلق في أن بطء النمو الاقتصادي أو أسوأ منه، يهدد بإعاقة الجهود الأوروبية الرامية إلى عزل نفسها عن أزمة الديون الحكومية التي سادت بالفعل في اليونان وأيرلندا والبرتغال. وعلى الرغم من أن “سيمنز” حافظت على توقعاتها السنوية كاملة، حذر مديرها التنفيذي بيتر لوشير من أن تقلب أسعار المواد الخام نتيجة لأزمة الديون في أوروبا وأميركا، ومخاوف التضخم في بعض أسواق الدول الناشئة التي ساعدت على النمو الأخير، مخاطر حقيقية تهدد أرباح المؤسسات. وغالت “باسف” في تحذيرها حيث ذكرت أنها تتوقع بطء في النمو في النصف الثاني من العام نتيجة للقلق السائد في الأسواق على الرغم من أنها التزمت بتوقعات أرباحها السنوية كاملة. ويقول مديرها التنفيذي كورت بوك “نستمر في اهتمامنا بتطور الأوضاع في منطقة اليورو، بالإضافة إلى مسألة الديون في بعض الدول الأوروبية وأميركا”. وتتوقع “دانون”، التي أعلنت عن ارتفاع في أرباح النصف الأول بنحو 2,7%، زيادة في تكاليف المواد الخام تصل لما بين 6 إلى 9% في العام الجاري، لكنها ستعوض عن هذه الزيادة من خلال رفع معدل الإنتاج وأسعار المنتجات. وتظل شركات المواد الاستهلاكية من بين أكثر المتأثرين نتيجة لحرب زيادة الأسعار الدائرة في القطاع التي فرضها تراجع الطلب حتى في استمرار ارتفاع تكاليف المواد الخام. وشركات صناعة الأجهزة المنزلية مثل “إليكترولوكس” و”فيليبس” من ضمن الشركات التي حذرت من الأسواق في كل من أوروبا وأميركا. وتميز الربع الثاني بالنسبة للقطاع المصرفي بسوء شديد حتى الآن، حيث أعلنت عدد من البنوك عن خفض في الوظائف الجديدة، في حين يعمل ضعف العائدات في النشاطات الرئيسية والنظم المتوقعة، على خفض الأرباح. وتزامن ضعف المبيعات وتقلص الأرباح مع الشروط الائتمانية القاسية التي فرضتها البنوك في محاولتها التصدي لمخاطر التأخير عن السداد. وذكر البنك المركزي الأوروبي مؤخراً أن بنوك “منطقة اليورو” شددت من معاييرها الائتمانية للشركات في الربع الثاني، في الوقت الذي اتسمت فيه صورة المستقبل الاقتصادي بالقتامة. كما من المتوقع أن تضع متطلبات أكثر صرامة في الشهور المقبلة. وأشار الاقتصاديون في مؤسسة “إيرنست آند يونج” إلى قلقهم بشأن الحذر الذي دفع البنوك إلى تكديس الأموال وأنهم لا يرون دلالات كثيرة تشير إلى توفر ائتمانات للقطاع التجاري وللمستهلك. وأصبحت المؤسسات التجارية والمستهلكون في دول منطقة اليورو الـ17، أقل ثقة فيما يتعلق بالمستقبل. وواجهت الشركات الصناعية في يوليو الماضي تراجعاً في طلبات الصادر، بينما ينتاب القلق المستهلك الذي لم يشكل عاملاً أساسياً في تعافي المنطقة جراء التدهور الذي لحق بسوق التوظيف. ولا يزال الجدل دائراً حول ما إذا كانت هذه بداية المؤشرات التي تدل على حدوث أزمة أخرى، أم أنها شرخ مؤقت أصاب الاقتصاد العالمي. وفي كلا الحالتين، طالت التأثيرات معظم المؤسسات التجارية الأوروبية. لكن لا تقع الصناعات كلها تحت وطأة المعاناة، حيث لا تزال شركات صناعة السيارات الألمانية مثل “فولكس فاجن” و”بي إم دبليو” و “دايملر” تحقق أرباحاً كبيرة مدفوعة بمبيعات قوية في بلدان مثل الصين والهند والبرازيل. وعلى الرغم من ذلك، حذرت “فولكس فاجن” أكبر شركة في أوروبا من حيث المبيعات، من أنه وبينما من المتوقع ارتفاع المبيعات والأرباح خلال العام الحالي، إلا أنه ربما يلحقها الضرر من تقلبات سعر الصرف والفائدة وكذلك أسعار السلع. وأعلنت “سيمنز” في نتائجها الفصلية عن تراجع في الأرباح إلى 462 مليون يورو عن 1,41 مليار يورو التي كانت عليها قبل عام. وجاءت بعض الرسوم المفروضة خصماً على الأرباح مثل 682 مليون يورو نتيجة نقضها الشراكة بينها و”أريفا”، ونحو 381 مليون يورو عن مراجعة بعض المشاريع الخاصة بتقنية جديدة لعلاج السرطان. وارتفعت مبيعات الشركة 2% بينما الطلبيات الجديدة إلى 20% مدعومة بطلبية ضخمة لقطارات تقدمت بها شركة القطارات الألمانية الوطنية “دويتش بان”. نقلاً عن «إنترناشونال هيرالد تريبيون»