تعد موائد الرحمن من أبرز ملامح الخير وسماته في المجتمع الإماراتي خلال شهر رمضان، حيث تتنافس المؤسسات الكبرى في الدولة مع جهود الأفراد العاديين، للاحتفاء بالصائمين وتقديم أفضل الخدمات لهم عبر موائد الرحمن، التي تنتشر في ربوع البلاد في مثل هذا الوقت من كل عام، وتحمل في طياتها رسائل عديدة أهمها التكاتف بين أبناء المجتمع الإسلامي، والحث على التسامح والخير في هذا الشهر الكريم. من أبرز المؤسسات التي تتصدى لخدمة جموع الصائمين هذا العام، مركز جامع الشيخ زايد الكبير التي يستضيف عشرات الآلاف من كل حدب وصوب من خلال مشروع إفطار الصائم، والذين يجتمعون وقت أذان المغرب ويتشاركون طعام الإفطار في مشهد مهيب يذكرنا بتجمعات المسلمين من مختلف الجنسيات جنباً إلى جنب في رحاب بيت الله الحرام، لدى قيامهم بتأدية مناسك العبادة والتقرب إلى الله عز وجل. عادة سنوية من هناك التقينا عبدالحميد سرحان من مصر (49 سنة) مقيم في الإمارات منذ 13 سنة ويعمل في مجال المقاولات، وقال إنه يحرص على المجيىء إلى مركز جامع الشيخ زايد في كل عام خلال شهر مضان، لأن هناك أجواء رمضانية تميزه عن غيره من المساجد، وليس فقط لتناول وجبة الإفطار، الذي يعتبره على مستوى طعام فنادق الخمسة نجوم، ولفت سرحان إلى أن أجمل ما في التجمع الذي يشهده مركز جامع الشيخ زايد، هو وجود عدد كبير من الجنسيات المسلمة وحتى بعض غير المسلمين في ذات الوقت والمكان ويتشاركون في تناول الطعام في جو من كرم الضيافة الأصيل التي تتميز به دولة الإمارات، وهو يعد أفضل تطبيق لقوله تعالى، “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”، حيث يجلس الجميع متجاورين، دون أي فروق بينهم حيث يجمعهم القرب من الله والفرح بتأدية واحدة من أهم أركان الإسلام التي أمرنا الله سبحانه وتعالى بها، كما أن الجميع يحضرون إلى المسجد وتناول الإفطار بغض النظر عن المستوى الاجتماعي أو المادي لهم، وهو ما يخلق حالة من التآلف الروحي بين المجتمعين قل أن تتوفر سوى في مثل هذه المناسبات. صورة جميلة أما أمين عبد الصبور من مصر (32 سنة) الذي جاء إلى الدولة منذ أربع سنوات ويعمل مشرف مبيعات، فقد أثنى على المعاملة الراقية التي يقوم بها المتطوعون من أبناء الإمارات من المشرفين على هذا المشروع الإنساني الكبير، وقال إنهم يحرصون على راحة الجميع وحسن ضيافتهم وكأنهم في بيوتهم، وهو ما يعطي صورة جميلة عن المجتمع الإماراتي وطيبة أهله وتواضعهم، ويزرع الحب في قلوب الجميع. وأوضح عبد الصبور أنه لا يكتفي فقط بتناول طعام الإفطار بل ينتظر مع أصدقائه حتى موعد صلاة العشاء ثم يؤديها هي وصلاة التراويح قبل أن يعود إلى منزله، بعد الانتهاء من رحلة إيمانية مميزة استمرت حوالي ثلاث ساعات تجعل من التواجد في هذا المكان متعة كبيرة خلال شهر مضان. اجتماع المسلمين ومن سوريا تحدث محمد جلال (29 سنة) جاء إلى الإمارات منذ عام ونصف العام ويعمل بائعا في أحد المحال، وقال إنه جاء إلى جامع الشيخ زايد للمرة الأولى في رمضان الحالي واندهش من روعته المعمارية، وكرم الضيافة غير العادي الذي يتم التعامل به مع الصائمين وقت الإفطار، وذكر جلال أن أجمل ما في مشروع إفطار الصائم الذي يشرف عليه مركز جامع الشيخ زايد هو اجتماع آلاف المسلمين جنباً إلى جنب بغض النظر عن درجاتهم الاجتماعية ووظائفهم من أجل تناول طعام الإفطار، وهو مشهد إيماني قوي ومؤثر خاصة لمن يحلم بتأدية مناسك العمرة أو الحج ولم يتمكن منها، وأشاد جلال بحسن التنظيم والمعاملة الجيدة من قبل المشرفين على خدمة ضيوف الرحمن، وقال إنهم جميعاً يبذلون كل جهدهم من أجل راحة الصائمين ويحرصون على التعامل معهم بكل ود وأريحية. طعام شهي وفاخر السائق الباكستاني محمد أمين ( 33 سنة) أوضح أنه يعمل في الإمارات منذ ثمانية أشهر وكثيراً ما جاء إلى جامع الشيخ زايد للصلاة، غير أن تأدية الفروض فيه وتناول الإفطار خلال شهر رمضان يحمل “ شكل غير” بحسب تعبيره، أي يحمل مذاقاً مختلفاً، وقال أمين إن الطعام المقدم شهي وفاخر، وهو ليس بالشيء الجديد على دولة الإمارات المعروفة بالكرم والجود. وبين أمين أنه يحرص على الحضور مع بعض زملائه من السائقين يومياً لتناول الإفطار وتأدية صلاة المغرب قبل أن الانطلاق إلى عملهم مرة أخرى في الفترة المسائية، بعد أن أخذوا وجبة إيمانية قوية، واستمتعوا بوجودهم وسط حشد كبير من المسلمين من جنسيات مختلفة، وهي في حد ذاتها ذكرى جميلة ستبقى في نفوسهم حتى بعد مغادرة الإمارات إلى بلدانهم الأصلية. متعة مضاعفة ومن الهند تحدث حميد أيوب (28 سنة) وقال إنه جاء إلى الإمارات منذ ثلاث سنوات ويعمل صباغاً. وأشاد بالخدمة المقدمة من قبل القائمين على مشروع إفطار الصائم، والتواضع الذي يتعاملون به مع الجميع بغض النظر عن جنسيته، وأوضح أيوب أن المستفيدين من هذا المشروع ليس فقط المسلمين، فهناك أشخاص آخرون يعرفهم من غير المسلمين يذهبون بانتظام لتناول وجبة الإفطار في رحاب الجامع، وهو ما يدل على رحابة الاسلام، وفي ذات الوقت كرم دولة الإمارات التي تعطي الجميع على حد السواء ولا تفرق في العطاء بينهم. صديقه مؤمن حسيب الله (27 سنة) ويعمل مشرفاً على العمال في إحدى شركات المقاولات من جهته، قال إن أجواء الإفطار على موائد الرحمن ممتعة وجميلة، فضلاً عن أنها تريح الكثيرين من عناء إعداد الفطور وتجهيزه، وتقدم نوعيات من الأكل أفضل من تلك التي يطهوها الشباب لأنفسهم، لأن من يقوم بها أشخاص متخصصون، وهو ما يجعل من التواجد في هذا المكان وتناول الافطار فيه متعة مضاعفة، وعبر حسيب الله عن سعادته لوجوده مع أشخاص من دول عديدة، ويجلسون على ذات المائدة، وهو ما يجسد المساواة بين الجميع بغض النظر عن وظائفهم وأعمالهم، ويبين القيمة العظيمة للدين الإسلامي. 100 ألف صائم يذكر أن مركز جامع الشيخ زايد الكبير في أبوظبي قد استقبل في الأيام الماضية ومنذ بداية الشهر الفضيل نحو 100 ألف صائم داخل الخيم التي تم تجهيزها في ساحات الجامع، وذلك في إطار مشروع إفطار صائم الذي يقام سنوياً عن روح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” طيلة الشهر رمضان. ويتم يومياً خلال الشهر الفضيل تقديم وجبات تتراوح ما بين 16 ألفاً و 20 ألف وجبة افطار من خلال 14 خيمة مكيفة. وهناك أكثر من 300 شخص يقفون على خدمة الصائمين والوقوف على كل تفاصيل الاستعداد والمتابعة والإشراف حتى الانتهاء من استضافة ضيوف المسجد، ويتم ذلك بالتنسيق مع وزارة الداخلية لتنظيم عملية دخول وخروج السيارات واستعداداً لكافة حالات الطوارئ التي قد تحدث بين الأعداد الغفيرة التي تتوافد على مشروع إفطار الصائم وغيره من الأنشطة التي يشهدها مركز جامع الشيخ زايد على مدار الشهر. راحة الصائمين يصاحب مشروع “ إفطار الصائم “مجموعة من الأنشطة والفعاليات التي ينظمها مركز جامع الشيخ زايد الكبير، على مدار الشهر الفضيل، ومنها دورة لتحفيظ القرآن الكريم وتجويده، للناشئة من البنين والبنات، مع تنظيم دروس ومحاضرات دينية عدة تتخلل صلاة التراويح، ويقدمها عدد من العلماء ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة، الذين يتم استضافتهم سنوياً لمشاركة أهل الإمارات احتفائهم بالشهر الفضيل، عبر تكثيف الدروس والمحاضرات الدينية. وخصص مركز جامع الشيخ زايد الكبير أماكن لإفطار النساء والمتطوعين والمنظمين، من أجل توفير كافة سبل الراحة للصائمين، كما ينسق المركز مع دائرة النقل في أبوظبي لتوفير مجموعة من حافلات النقل العام، وذلك لتسهيل وصول الصائمين إلى موقع الإفطار في الجامع بشكل يومي، من دون أن يواجهوا أي صعوبات.