محمد الأمين وناصر الجابري (أبوظبي)

شهد اليوم الأول من فعاليات ملتقى تحالف الأديان لأمن المجتمعات، 4 جلسات نقاشية بمشاركة كبار القادة من مختلف الجهات العالمية حول سبل تعزيز الجهود الدولية لمحاربة استغلال الأطفال في العالم الرقمي، عبر ضرورة إيجاد التشريعات والقوانين والثقافة المجتمعية حول خطر الجوانب السلبية للتقنيات الحديثة ومنصات التواصل الاجتماعي. وناقشت الجلسة الأولى محور المخاطر التي يواجهها الأطفال في العالم الرقمي، حيث شارك الحضور في الحديث عن انتشار أدوات الاتصال الرقمي، حيث يواجه 800 مليون طفل ومراهق خطر التعرض للاستغلال والتغرير بهم على «الإنترنت»، وتسليط الضوء على المخاطر وسبل الوقاية منها.

«التحضر الرقمي»
وقالت جاكلين بوتشير، المدير التنفيذي لحماية الأمن في شركة «مايكروسوفت» بالولايات المتحدة الأميركية: توجد 4 مصطلحات معنية بالحديث عن وسائل التكنولوجيا الحديثة وهي المحتوى والاتصال والسلوك والتجارة، وقمنا بإطلاق حملة بعنوان «التحضر الرقمي»، وهي عبارة عن التفاعل في الواقع الافتراضي بأسلوب يتسم بالاحترام في كل معاملاتنا، وقمنا بإجراء بحث خاص في 20 دولة مختلفة تتناول 20 خطراً حول المخاطر السلوكية للمحتوى المسيء في منصات مختلف المواقع، وسيتم الإعلان عن نتائج البحث في 20 من نوفمبر المقبل، بالتزامن مع يوم السلام العالمي. وتابعت: توصلنا خلال الدراسة إلى أن المراهقين أكثر عرضة للتطفل على الخصوصية، والتعرض المخاطر المحتوى المسيء عبر الشبكة المعلوماتية.
وأشارت إلى أن نتائج الدراسة أوضحت أن 75? تعرضوا لتبعات سلبية من إساءة استغلالهم عبر الواقع الافتراضي، من مثل الاكتئاب والشعور بالحرمان، بينما أعرب 97? من المستغلين الأطفال عن شعورهم بمستوى معين من الألم، بينما أجاب 30? أن الشعور تراوح بين الألم الخفيف والمتوسط الذي يمكن مواجهته، وحاول 26? أن يكونوا أكثر إيجابية في التعامل مع مثل هذه المواقف.
ولفتت إلى أن 42? من ضحايا استغلال الأطفال جنسياً في الواقع الافتراضي، طلبوا مساعدة من آبائهم للتعامل مع الموقف، بينما قدمت المساعدة لـ28? منهم من قبل آخرين راشدين يثقون بهم، مما يبين وجود نسب مرتفعة لبدء الأطفال في الاستعانة بالبالغين نحو مواجهة ما قد يتعرضون له من إساءات وتنمر واستخدام مسيء لهم في هذه المواقع.

15 مليون بلاغ
من ناحيته، قال كورنيلوس وليامز، المدير المساعد لإدارة حماية الطفل في «اليونسيف»: تلقى المركز الوطني لمكافحة استغلال الأطفال في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2018، نحو 15 مليون بلاغ، كما سجل «الإنتربول»، 14 ألف ضحية من ضحايا استغلال الأطفال جنسياً في الواقع الافتراضي تم التعرف عليهم عالمياً، وهناك توثيق لحالات الاعتداء على الأطفال.
وأضاف: في السابق كانت المواد الإباحية في حوزة المعتدين على الأطفال، إلا أنه وبتسارع التطور التقني، لجأ هؤلاء إلى السبل الذكية الأخرى للحفظ والتخزين من دون معرفة أي شيء عن هويتهم أو مقر وجودهم، وبالتالي أصبح من الأصعب التعرف إليهم، وهذا التطور ينبغي تحويله ليصبح نقطة إيجابية تحمي أطفالنا من مستنقعات الخطر.
ولفت إلى أن التكنولوجيا الرقمية غيرت من مفهوم الاعتداء الجنسي على الأطفال، فاليوم لا يتعلق الاعتداء بالضرورة بشكل مباشر مع الضحية، ولكن من الممكن تسجيل حالات اعتداء، وبين الضحية والمستغل جنسياً أميال ومسافات شاسعة، بوجود الوسائل التي سهلت على هؤلاء التواصل مع الأطفال، وبالأخص في المناطق المحتاجة حول العالم.

90? من سكان الإمارات يستخدمون الإنترنت
من ناحيته، قال سليم ادديي، رئيس السياسات العامة والعلاقات الحكومية في «جوجل» الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: يوجد 180 مليون شخص في العالم العربي يستخدمون الشبكة العنكبوتية، وهم خليط من أولياء الأمور والمعلمين وصغار السن، ومن المتوقع أن يلتحق 60 مليون شخص أيضاً في العام المقبل، وهؤلاء معظمهم من اليافعين وصغار السن.
وأضاف: يستخدم 90? من سكان دولة الإمارات خصوصاً والخليج ككل، الشبكة العنكبوتية للتواصل فيما بينهم، بينما تصل النسبة في شمال أفريقيا إلى 40?، وتبلغ في لبنان والأردن نحو 60?، مما يؤكد الاعتماد الكبير لدى سكان العالم العربي على وسائل التقنية للتواصل فيما بينهم خاصة الشباب، والعالم العربي يغدو أكثر شباباً اليوم لأن الغالبية تبلغ من العمر أقل من 25 عاماً، حيث يصبح تواصله عبر التقنيات متزايداً يوما بعد يوم.
وأشار إلى أن الأطفال لديهم نسبة وصول متزايدة أيضاً للهواتف النقالة، حيث ينبغي عدم إعطاء الأطفال الهواتف من دون أن نعلمهم السباحة في محيط الآثار المتوقعة من استخدام الهواتف، فهناك «فجوة رقمية» بين بعض الآباء ممن لا يعرفون استخدام التقنيات بالمقارنة مع الجيل الناشئ القادر على التكيف مع متغيرات الحداثة، فمن المهم أن تعمل الجهات الحكومية على ردم هذه الفجوة.
ولفت إلى وجود جهود كبيرة تبذلها الشركات الكبرى للحد من استغلال الأطفال، وبرغم وجود 400 ساعة تحمل كل ساعة عبر موقع «يوتيوب»، إلا أن الموقع أزال 7 ملايين مقطع خلال 3 أشهر، وتلقى 9 ملايين طلب لإزالة محتوى، منها المتعلق باستغلال الأطفال، وهي جهود ينبغي توحيدها ضمن ملتقيات ومنتديات للخروج بتوصيات جامعة للعالم.
بدوره أوضح روبرت فاندن بيرج، المدير التنفيذي لمنظمة «ايكبات» العالمية أن متوسط أعمار ضحايا الاستغلال عبر المنصات الافتراضية يصغر تدريجياً، وهو ما يعكس العلاقة المتوازية بمتوسط أعمار مستخدمي الهواتف والتقنيات الذكية، ومع وجود خطر الاعتداء من قبل المقربين ينبغي زيادة الوعي الذاتي والمجتمعي لحماية الطفل واحتواء مخاوفه قبل أن تنتقل حالته إلى مرحلة اللاعودة.

التأثير على الأطفال
وأكد المشاركون في الجلسة الثانية حول محور التأثير على الأطفال، أن حياة كل طفل هي حياة ثمينة، ولكل طفل الحق في الحياة بكرامة وأمن، حيث تعتبر حماية الأطفال من مخاطر المجرمين المتربصين بهم على العالم، وهو ما يتطلب نشر الوعي على المستويين المحلي والعالمي، وتعزيز أساليب الدعم والتنسيق بين قادة الأديان والحكومات ومنظمات النفع العام.
وقال البروفسور ارنستو كافو، الطبيب النفسي للأطفال والمراهقين، ومؤسس الخط الساخن «تليفونو ازورو»: يتعرض الأطفال لخطر متزايد في العالم الخارجي، وأحياناً يتعرضون له بدون وجود حماية أو رعاية من قبل الآباء أو المعلمين أو المحيط الخاص بهم، ولهذا يواجهون أضراراً بالغة لوحدهم، ويتعرضون لصدمات قاسية خلال المراحل الأولى من طفولتهم.
وأضاف: يتمثل الجانب السلبي من الصدمة في عدد من الأضرار الصحية والجسدية عليهم، والضحايا الذين يتعرضون للاعتداء يتأثرون خصوصاً في مستوى صحتهم الذهنية وسلوكياتهم المستقبلية، والذي له تأثير مختلف على عقولهم، مما ينبغي معه العمل على حماية الأطفال، وأن تكون المقاومة السلوكية النابعة من الذات إحدى طرق العلاج المستقبلية.
وأشار إلى أن ما يحدث للضحايا في العالم الرقمي من صدمة، هو نفس التأثير للعالم الواقعي، فلا يوجد فارق، نظراً لتشابه توابع الصدمات، وينبغي وضع التشريعات التي تساوي في الاعتداء الجسدي المباشر على الأطفال، وما يوازيه من اعتداء افتراضي عليهم عبر الصور والمقاطع المسيئة، فالنتيجة واحدة وهي تدمير كافة أشكال الطفولة لدى الضحية.
من ناحيته، قال البروفيسور غابرييل دي لياكو، أستاذ مشارك في جامعة الرحمة الإلهية بالولايات المتحدة الأميركية، إن رجل الدين يواجه الكثير من التحديات الفريدة في واقع عمله، ومن هذه التحديات العمل على الجانب الاجتماعي والأخلاقي في توعية الأهالي والسكان بضرورة التقرب من أطفالهم، ومنع كافة أشكال الاستغلال التي قد يتعرض لها بفعل وسائل التقنيات.
وأضاف: يوجد أثر مدمر للضحايا من الأطفال، يتمثل في شعور الضحايا بأنه لا قيمة لهم على الإطلاق، والانفصال الوجداني عن العالم المحيط، مما يدفعهم للعزلة وتجنب الانخراط في المشاركات الاجتماعية والأنشطة التعليمية، وهو ما يتطلب وجود معالج قادر على الاستماع لقصص الضحايا واحتواء الظروف المختلفة، وتقديم الدعم النفسي والمعنوي اللازم لذلك.

دور صناع السياسات
وناقشت الجلسة الثالثة محور دور صناع السياسات في حماية كرامة الأطفال، عبر التطرق لدور المؤثرين في الحكومات والخبراء الأكاديميين وشركات التكنولوجيا ومؤسسات إنفاذ القانون وقادة المجتمعات المدنية في حماية حقوق الأطفال بالكرامة والأمان على شبكة «الإنترنت».

التعرض للإساءة والتنمر
وقالت مارتا سانتوس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، من الأهمية الاستثمار في المعلومات الصحيحة لاتخاذ القرارات السليمة، حيث يتوجب النظر إلى الدراسات الموثوقة للوصول إلى الخلاصات والنتائج التي تعالج مفهوم الطفل في العالم الافتراضي، وقامت الأمم المتحدة بإجراء دراسة مهمة عن مخاطر عنف الأطفال، والتي يتمثل أحد أشكالها في التعرض للإساءة والتنمر والتصوير الإباحي.
وأضافت: من أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وقف الانتهاك الذي يقع للطفولة، ونحن الآن على مقربة من هذا العام، وبالتالي من المهم البدء في تحالفات كبيرة وصغيرة، تتعلق بالدول والمجتمعات، في وقف الاستغلال للأطفال، ولا بد أن تبدأ التحالفات من الأسرة والاستثمار في الفرد بالمنزل، وإيجاد حالة من التواصل المباشر والثقة المتبادلة بين مختلف الأجيال الواقعة تحت السقف الواحد للعمل والتغلب على مخاطر الاستغلال.
وأشارت إلى أن التكنولوجيا بحد ذاتها ليست سيئة، والأهم هو معرفة كيفية استخدام التكنولوجيا، وتوظيفها بالشكل الأمثل الذي يحمي الأطفال وصغار السن من المجهول، وإيجاد البيئة المناسبة التي تدعم الطاقات القادرة على إيصال الأفكار بأبسط المفردات للأطفال، إضافة إلى إصدار التشريعات المنظمة لحماية الطفولة، والتي هي موجودة اليوم بمعظم الدول.
وأورد المشاركون في الجلسة إحصاءات عالمية تتعلق باستغلال الأطفال، حيث يتعرض طفل من كل اثنين عالمياً لأنواع من العنف والإهمال والإساءة، بينما أوصت الجلسة بأهمية وجود شراكات قوية بين رجال الدين من مختلف الأديان، ووضع الفتاوى والتشريعات التي تمنع حدوث كافة الانتهاكات المتعلقة بالطفولة ومنها زواج القاصرات، وغيرها من كافة الأشكال التي قد تضر بمفهوم الطفولة النقية.