عشق الفنان التشكيلي محمد طه حسين حي الأزهر، الذي عاش فيه طفولته مستظلا بحضارة إسلامية عربية، تنسم رحيقها منذ ولادته وتحسس آثارها بعينيه قبل يديه، في حي الجمالية، وحي الحسين، حتى أنهى دراسته بالتعليم العالي، فشاهد عن قرب ما احتواه هذا الحي من عمائر ومبان إسلامية تمثلت في الجامع الأزهر الشريف والآثار الإسلامية الفاطمية والمملوكية والعثمانية، وحي الحسين وبيت زينب خاتون والسحيمي ووكالة الغوري وجوامع الحاكم، وقلاوون وبرقوق والمؤيد وقلعة صلاح الدين. (القاهرة) - قال إن نشأته في هذا المناخ ووسط هذه الحضارة العريقة والمشوار الذي كان يقطعه كل صباح من منزله في قصر الشوق بحي الحسين إلى مدرسته بحي الجمالية، ومتابعته للمجالس التي تعقد بعد الظهر يومياً بين والده وأصدقائه من مثقفي ومتعلمي أهل الحي، علمته الحوار، وحرية التعبير والرأي الحر، وديموقراطية الفكر، والنظرة الواعية المتفائلة بالمستقبل، بالإضافة إلى دروس الدين والسياسة في الجامع الأزهر. ويضيف أنه ما زال يذكر «شريف افندي» مدرس الأشغال، و»سعيد افندي» مدرس الرسم بمدرسة الجمالية الابتدائية، اللذين كانا يقتنيان دائماً أعماله، ويشجعانه على الرسم وأشغال الأركيت، فاستمر تفوقه حتى تمكن من اجتياز امتحان القبول بتفوق بمدرسة الفنون التطبيقية العليا، والتحق بقسم الزخرفة والخزف عام 1946. وأوضح أن بعض الكبار من الحي وجهوه إلى الفن، فدخل الفنون التطبيقية، وتخرج فيها عام 1951، وحصل من الكلية الملكية - مسماها آنذاك - على دبلوم لمدة عام واحد، وأنها كانت مليئة بعمالقة الفن، حيث حدث له تحول كبير يدين فيه لمجموعة من المبشرين بفلسفة الفن وعلومه وبالعالم الحديث والفن الحديث والفنان الراحل سعيد خطاب نصحه، وكان عائداً من انجلترا، بأن يلتحق بالمعهد العالي للتربية الفنية، ووجد هناك عملاقاً آخر هو الراحل يوسف العفيفي، وتلك الأسماء دخلت في تربيته وتثقيفه، والتحق بالمعهد وكان سعيداً بذلك. في ألمانيا وأضاف أنه بعد ذلك عندما سافر إلى ألمانيا تفرد بنظام مختلف تماماً عن كل زملائه الذين سافروا في عام 1956، وذهب إلى هناك وهو لا يعلم شيئاً عن هذا البلد، والتحق بأكاديمية الفنون لدراسة الحفر والجرافيك في «دوسلدورف»، وفي الوقت نفسه كان يحتاج للكثير في تكنولوجيا الخزف فالتحق بأكاديمية أخرى تعلم فيها الخزف، وتطلع إلى الثقافة الألمانية، وكان هذا خلال ثلاث سنوات، وبعد حصوله على دبلوم الأكاديمية فوجئ بأستاذه «شميت» أستاذ تاريخ الفن، يبعث له برقية لمقابلته وأخذ بحثه إلى جامعة «كولونيا» بعد أن سافر إلى مدينة كولونيا والتي تبعد حوالي 50 كم من دوسلدورف ليتقابل مع الدكتور «لادن دورف» مدير معهد تاريخ الفن بكلية الفلسفة، واتفق معه على أن يسجل لنيل درجة الدكتوراه عن موضوع بحث اتفق معه على تسجيله بعد حصوله على دبلوم الأكاديمية، وحصل على الدكتوراه. وقال إنها كانت أوَّل رسالة دكتوراه في فلسفة تاريخ فن مقارن عام 1963 تمنح لمصري في الخارج، وكان موضوعها «تأثير الفنون الإسلامية على فنون الغرب»، والتي أوضح فيها باللوحات والدراسات المرسومة كيفية تأثر فنانو الغرب بالخط العربي والفنون الإسلامية وأشكال الأزياء، ومنها دراسة للخط العربي النسخي المملوكي قام بها الفنان الإيطالي بيزانللو في عصر النهضة الإيطالية عام 1654، وكانت تلك بداية للتحول في أعماله من الانطباعية الأوروبية والتعبيرية الألمانية، وصولاً إلى حقيقة التشكيل في الفن المصري القديم والإسلامي وقوانين التجريد العربي، حيث اجتاز المراحل السابقة خلال فترة تواجده بألمانيا الغربية من عام 1958 ولمدة خمس سنوات للدراسة، وأجرى خلالها أهم تجاربه في تقنية الطباعة الحجرية الملونة بأكاديمية الفنون الجميلة بدوسلدورف، واستمد في تلك التجربة الفنية أشكاله من العناصر الشرقية، والكتابات العربية، في تكوينات جديدة لا تخضع للقانون الرياضي الصارم الذي تأسست عليه الفنون الإسلامية، مشيراً إلى أن أجمل تشخيص تجريدي ظهر في ظل الحضارة الإسلامية. «الحجر الأزرق» وأضاف أن ابلغ دليل على اهتمام الألمان بما قدمه، هو قيام باحثة في جامعة كولونيا باعداد دراسة عن أعماله كنموذج للتواصل في مجال الفنون التشكيلية بين الشرق والغرب، كما أن علامة تكريمه لا تزال موجودة في ألمانيا بسبب اسهاماته في نشر الفن المعاصر، حيث كرموه بكتابة اسمه على «الحجر الأزرق»، وأن أغلب الأوروبيين كانوا يعتقدون أن العرب حرفيون فقط. ومنذ عام 1958 بدأ طه حسين التجريب على تحريك الخط العربي وتوظيفه في أعماله، من خلال أشكال تجريدية هندسية، مؤكداً أن الفن لم يصنعه الغرب وإنما ولد على أرض أجداده، ومع أوائل الستينيات ترجم مع رفاقه الفنانين المصريين أحاسيسه القومية في لوحات نفذها مستفيداً من فن «اللاكر»، وهو تقنية مستخدمة في الفن الإسلامي وشرق آسيا، في أعمال تجريدية تعتمد على الموتيفات الزخرفية الموجودة في المشربية وفن الأرابيسك والكتابات العربية ذات المضمون المقروء ليضيف البعد الاجتماعي أو الديني إلى البعد الجمالي، وأثناء تلك الفترة انشغل محمد طه حسين بشكل السالب والموجب كشكل أساسي في التكوين الإسلامي، حيث يستخدم عادة في الزخارف، ولذلك قسم الفنان المربع فنشأ عنه شكلان موجب وسالب، وكان هدفه من ذلك تحويل الزخارف الإسلامية ذات البعدين إلى فن ثلاثي الأبعاد. «التجريد الواعي» خلال فترة إقامته في ألمانيا للمرة الثانية من 1969 إلى 1971 أنتج محمد طه حسين أعمالاً اطلق عليها «التجريد الواعي» الذي يعتبر إحدى سمات الفن الإسلامي والذي استفاد منه الغرب في أوروبا وأميركا، فالفنان المسلم يرى الجمال من خلال التصور الذهني للأشياء ووضعها في قالب هندسي، ثم جاءت فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي فعاد معها للانشغال والاشتغال على الحرف العربي، الذي بدأ التعامل معه في أواخر الخمسينيات بألمانيا، فنشأ عن ذلك الاهتمام مجموعة أعماله المعنونة «البسملة»، التي أبدعها في مرحلته الصوفية، إضافة إلى تكرار «لفظ الجلالة» مستخدماً ألوان الأبيض والأسود أو الأسود والبني أو الأسود والأزرق، أساساً للتعبير حتى لا يطغى عنصر اللون على الشكل مستفيداً من الحضارتين المصرية القديمة والإسلامية، ثم عاد بعد ذلك إلى رسومه التي أظهرت ارتباطاً واضحاً بالفنون العربية من خلال أعمال جرافيكية تمثل «الكعبة وأسماء الله الحسني» و»الفاتحة» في أسلوب جديد، بعد أن اتخذ من فاتحة الكتاب الكريم أساساً أقام تشكيله عليه، وأقام في عام 1982 معرضه الذي ضم هذه الأعمال تحت عنوان «بسم الله الرحمن الرحيم».