تحوّل اسم الكاتبة الفرنسية، ذات الأصول المغربية، ليلى سليماني إلى ما يشبه الظّاهرة، منذ ظهورها الأوّل على الساحة الأدبية الفرنسية عام 2014 بروايتها الأولى «في حديقة الغول»، وما هي إلا عامان فقط، حتى أصدرت سليماني روايتها الثانية «أغنية هادئة» (2016)، والتي كانت أكثر حظّاً وتوّجت بجائزة «الغونكور» كأفضل رواية فرنسية عن العام ذاته. لتتحوّل سليماني بسرعة البرق إلى نجمة أدبيّة في ميدان الأدب المكتوب باللغة الفرنسيّة. وهي النّجومية التي أكدتها استطلاعات الرّأي في الصّحافة الثّقافية فيما بعد، خاصّة بعد أن تمّ اختيارها في أكثر من استفتاء أدبي، كأكثر كاتبة انتشاراً ومقروئية في فرنسا لعام 2016. هي التي بحصولها على الغونكور، أصبحت ثالث وجه أدبي عربي يتوج بالغونكور بعد المغربي الطاهر بنجلون الذي فاز بها عام 1987 عن رواية «ليلة القدر»، واللبناني أمين معلوف الذي نالها عام 1993 عن روايته «صخرة طانيوس».
بين ليلة وضحاها، احتلت ليلى سليماني هذه المكانة البارزة في المشهد الفرنكفوني في فرنسا والعالم، ليس فقط بوصفها كاتبة وصحفية ومدافعة عن حقوق النساء في مقالاتها النسوية لاذعة السخرية، بل وأيضاً كدبلوماسية فرنسية، بعدما اختارها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتكون ممثّلته الشخصية في المنظمة الدّولية للفرنكفونية عام 2016. وعلى الرّغم من الشّهرة الكبيرة التي حققتها سليماني في أعوام قليلة، فإنّها لم تركن إلى نجاحها في كتابة الرّواية، بل عمدت إلى تبني قضايا النّسوية ومشاكل المرأة المعاصرة في مقالاتها التي رحّبت بها غالبية الصحف الفرنسية الهامة، فأصدرت بعد روايتها الثّانية كتابها الثّالث «الشّيطان في التّفاصيل» (منشورات أوب 2016). والذي ضم ستّ مقالات صحفية لها في 64 صفحة فقط، ولاقى الكتاب إقبالاً متوقّعاً من القراء والنّقاد على حد سواء، ما أكد ظاهرة سليماني من جديد، لتعقبه بكتاب في البحث الميداني للقضايا النّسوية، والذي صدر في 2017 وخصصته سليماني لمناقشة العديد من التابوهات في المغرب.
ولدت ليلى سليماني بمدينة الرباط المغربية في أكتوبر 1981 في أسرة ليبرالية ناطقة بالفرنسية، كانت الأم طبيبة متخصّصة في أمراض الأنف والأذن والحنجرة، وكان الأب مصرفياً معروفاً بالمغرب يدعى عثمان سليماني، وكان للزوجين ثلاث بنات، ليلى هي الوسطى بينهنّ. وحين بلغت السابعة عشرة توجّهت إلى باريس لدراسة العلوم السياسية والدراسات الإعلامية، تلبية لطموحات والديها بأن تحظى بناتهن بدراسات عليا مميزة، لكنها امتهنت التمثيل لفترة بعد تخرجها، ثم بدأت العمل كصحفية بمجلة «جيون أفريك» في 2008، ولأن العمل في هذه المجلة كان يتطلب منها السفر الدائم، وهي المتزوجة حديثاً، قررت بعد أن أنجبت طفلها الأول في 2011 ترك عملها الصحفي لمتابعة العمل الحرّ وكتابة الرواية. ومع ذلك تم رفض روايتها الأولى من قبل الناشرين. ما دفعها إلى المشاركة في ورشة للكتابة لدى «جان ماري لاكافيتين» في العام 2013، الروائي والمحرّر الأدبي في دار غاليمار الشهيرة، واهتم لاكافيتين بكتابة سليماني وبدأ في توجيهها وتحسين أسلوبها، وفي 2014 نشرت سليماني روايتها الأولى «في بيت الغول» عن دار غاليمار، والتي تناولت فيها قصّة امرأة تفقد السيطرة على حياتها بسبب إدمانها على الخيانة الزوجية. لتحقّق نجاحاً كبيراً لدى النّقاد والقرّاء الفرنسيين، ولتحصل عنها فيما بعد على جائزة La Mamounia الأدبية المغربية.
أمّا في روايتها الثّانية «أغنية هادئة»، والتي تروي قصّة قتل مروعة لطفلين على يد مربّيتهما، فاستوحتها سليماني من قصة حقيقيّة وقعت في حي مانهاتن الأميركي عام 2012. حيث تبدأ الرواية بوقوع جريمة القتل منذ السّطور الأولى، ثم تروي لنا قصة الأسرة التي ابتليت بقتل طفليها، لتدخلنا سليماني ببراعة في الوصف والقبض على مشاعر شخصياتها إلى حياة الزوجين الليبراليين في بحثهما عن مربّية لائقة لترعى طفليهما، كما ترسم لنا شخصية آثرة للمربّية لويز التي تكافح من النّاحية الاقتصادية والنّفسية لتعيش. أطلقت سليماني على المربّية في روايتها الشجية اسم «لويز»، في اشتباك واضح مع اسم المربّية التي ارتكبت الجريمة البشعة في مانهاتن «لويز وودوارد»، وهي بريطانية أُدينت بالقتل غير العمد في الولايات المتحدة عام 2012. وقوبلت الرّواية الجريئة في انتقادها للمستجدات العصرية، كثورة السوشيال ميديا ومجتمع المال الذي تشيَّأت فيه الأرواح وغادرت فطرتها، باحتفاء كبير سرعان ما جعل منها «أكثر الكتب مبيعاً» في أسابيع قليلة، وبنهاية 2017 كان قد بيع منها 600 ألف نسخة في فرنسا وحدها، وترجمت إلى 44 لغة!
تبدأ سليماني روايتها «أغنية هادئة» (والتي صدرت ترجمتها إلى العربية عن المركز الثّقافي العربي بالمغرب) بمشهد بشع لقتل طفلين على يد مربّيتهما، تبدأ السطور الأولى هكذا: «توفّي الرّضيع. لم يستغرق موته سوى بضع ثوانٍ (...) أمّا الطّفلة، فكانت لا تزال حيّة عند وصول النّجدة».
في قراءتها النّقدية للرّواية تقول الكاتبة والنّاقدة اللبنانية سوسن الأبطح: «بهذه الكلمات وعلى جريمة مروعة ارتكبتها مربّية في حقّ طفلين ترعاهما، تفتتح من سطورها الأولى رواية «أغنية هادئة». يكاد القارئ لا يلتقط أنفاسه، فهو يتابع صورة الأم المذعورة والمنهارة أمام مشهد ولديها الممدّدين بلا حَراك، والقاتلة التي تحاول أن تنتحر، ورجال التّحقيقات الذين يلملمون الألعاب المتناثرة ويضعونها في أكياس بلاستيكيّة، ويرفعون البصمات. بداية صادمة لرواية بديعة، نالت بمجرد صدورها باللغة الفرنسية اهتمام القراء، ثم توجت بالـ«غونكور» أرفع جائزة أدبية في فرنسا، وكتب حولها الكثير، لكنّها بقيت مجهولة للقارئ العربي. صدور ترجمتها بعد أربعة أشهر من فوزها بالجائزة (...) يتيح للقارئ العربي التمتع بنص إنساني عميق نادراً ما يجده في الإصدارات الروائية العربية التي سيّست أكثر مما تحتمل، وسطحت حتى بات تراكم الأحداث والشخصيات وأحياناً الجثث فيها، من المخارج المحبّبة للكاتب، بدل أن يعتمد الاستبطان وسبر أغوار الشخصيات».

الإرث الكولونيالي
وكما هو متوقّع، لم يمرّ فوز ليلى سليماني بجائزة الغونكور عن روايتها الثّانية «أغنية هادئة» بسلام؛ وهو ما يلاحظه الباحث والمترجم المغربي محمد الإدريسي في قراءته للرّواية، إذ يقول:«انتقدت بعض المنابر الإعلاميّة الفرنسيّة حصول ليلى سليماني على الجائزة، أولاً، لأنّها «ولدت خارج فرنسا»، الأمر الذي يحيل إلى الحضور الدائم للإرث الكولونيالي في المشهد الأدبي والفنّي الفرنسي. ثانياً، لكونها «كاتبة شابّة» ولا تحمل في رصيد أعمالها السّابقة سوى رواية واحدة، في حين أنّ أكاديمية «غونكور» اعتادت منح الجائزة للكُتَّاب المتقدّمين في السّن، أو بلغة أخرى للكُتّاب الذين ينتمون إلى الماضي وليس إلى الحاضر ويكتبون عنه. لكنّ عدداً من النّقاد يرى أنّ السّر وراء فوز الروائية الشّابة بجائزة غونكور يكمن في استلهامها شخصيات الرواية، وكذلك روايتها الأولى، من الفضاء «الغربي» وليس العربي أو المغاربي، كما هو شأن جُلّ الكتَّاب المغاربيين الذين يكتبون باللغة الفرنسية، إضافة إلى جعلها من المشكلات المعيشة وإيقاع الحياة اليومية ميكانيزماً أساسيّاً لبناء حبكتها الدرامية، وهو الأمر الذي «سيجعل القارئ يطالع ذاته ويتعرّف إليها من خلال هذه الرواية» بحسب تصريح رئيس أكاديمية «غونكور» بعد الإعلان عن فوز الروائية المغربية الشابة».

ليلى سليماني: التركيز على الإثنيّات جنون وضد التنوع
في محاولة منّا للتقرّب من ظاهرة ليلى سليماني في المشهد الأدبي الفرنكفوني الرّاهن، والتّعرّف على نشأتها الحياتيّة والثّقافية، نترجم هنا حواراً مطوّلاً معها أجرته الصّحفية الهولندية من أصل مغربي ياسمين أبو طالب، ونشرته صحيفة «NRC» بمناسبة صدور الترجمة الهولندية لرواية سليماني.
نالت الكاتبة الفرنسية، ذات الأصول المغربية، ليلى سليماني (38 عاماً) جائزة الغونكور الفرنسية، أواخر العام 2016، عن روايتها الثانية «أغنية هادئة» (غاليمار 2016)، وتعدّ الجائزة الشّهيرة أرفع جوائز الأدب الفرنكفوني على الإطلاق، وتوّجت الجائزة روايتها التي تدور حول الضّغوط الحياتيّة والتّحديات اليوميّة التي تواجه الأمّهات اللواتي يصارعن الحياة في العمل والبيت ورعاية أطفالهنّ، ليكنّ الأمّهات المثاليّات، بحسب النّظرة الاجتماعية الرّاهنة تجاه الأم، تلك النّظرة التي تطالب كلّ أنثى أن تكون الأم الأفضل على الإطلاق، وهو ما توضّحه لنا سليماني في الحوار التالي (أجرته معها صحيفة «NRC» بمناسبة صدور الترجمة الهولندية لروايتها الفائزة «أغنية هادئة» تحت عنوان «يد ناعمة».
تنظر ليلى سليماني، المولودة بمدينة الرباط المغربية في العام 1981، بعيون واسعة تلمع تحت هالة شعرها الإفريقي المجعّد، وتتحدّث بحماس شديد عن عملها، حماس يشاركها فيه آخرون بالتأكيد بعد أن صعد نجم الكاتبة الشّابة بين ليلة وضحاها، بحصول روايتها على أرفع جوائز الأدب الفرنسي، والتي تدور حول زوجين طموحين لديهما طفلان جميلان ترعاهما مربّيتهما المثاليّة، وقد بيع من الرّواية ما يقرب من 600 ألف نسخة في فرنسا وحدها حتى اليوم، وصارت صورة كاتبتها الشّابة تحتلّ جميع أغلفة المجلّات والصّحف النّاطقة بالفرنسيّة في جميع أنحاء العالم.
سليماني نفسها لا تجد ضرورة للحديث عن شعورها بعد حصولها على الجائزة الرّفيعة، بل تفضّل أن تتحدّث عن أبطال روايتها «مريم» و«بول» ومربّية طفليهما، وعن الهمّ الأساسي في روايتها، وهي الضّغوط التي تواجه كلّ أنثى تعمل وتكافح في الحياة المعاصرة لتكون الأمّ الأفضل، بدلاً من الخوض في الشّهرة التي نزلت عليها بعد حصولها على الـ«غونكور»، تركّز سليماني في روايتها على الفوارق الطّبقية الكبيرة التي تعاني منها فرنسا المعاصرة، وتعتبر أنّ هذا التّركيز هو: «همّها الأكبر ككاتبة، في سبيل تعريته وكشف مساوئه العديدة».
*أيّ نوع من النّشأة تلقّيته في طفولتك؟
- ولدت وكبرت بمدينة الرّباط المغربية، كانت والدتي تعمل طبيبة، فيما والدي يعمل بمجال البنوك والمصارف، كانا يعملان طوال اليوم، تلبيةً لشروطهما الطّموحة في الحياة الأفضل، وكانت لدينا أنا وشقيقتيّ مُربّية تعيش معنا في البيت بسبب انشغالات والديّ، وكنّا نناديها بكلمة «مويما» والتي تعني الأمّ الصّغيرة في الدّارجة المغربيّة.
* وأيّ نوع من المُربّيات كانت مويما بالنّسبة لك؟
- مويما كانت امرأة وحيدة، ليس لديها زوج أو أطفال، لم يكن لديها حياة من أيّ نوع، لكنّها كانت أمّنا الصّغيرة التي ترعانا طوال اليوم، كانت تعيش معنا في البيت كأنّها واحدة من الأسرة، ترعانا أكثر من والدينا، أمّنا الطّبيبة كانت أيضاً حنونة معنا مثل أي أم، لكن انشغالها بالعمل لم يكن ليترك لها أيّ وقت للتّواجد معنا، ولهذا حرصتْ على أن نكمل دراستنا في فرنسا، كان والديّ مهووسين بمستقبلنا، وكان علينا الحصول على التّعليم المناسب لبدء مستقبل مهني ناجح. وعاشت مويما معنا حتى غادرتُ المنزل للدّراسة في باريس.
* هل استوحيت شخصية مربّية الطّفلين في الرّواية من شخصية مويما إذن؟
- بالطّبع، أستطيع أن أتذكّر أنّني كنت في بعض الأحيان أشعر بالحزن الشّديد بسبب افتقادنا لها بعد رحيلنا إلى باريس للدّراسة، لأنّي كنت أعرف كم تحبنا كما لو كنّا أطفالها، لكنّنا لم نكن أولادها، عاشت معنا في بيتنا، لكنّه لم يكن بيتها. قال الجميع دائماً إنّ مويما كانت جزءاً من الأسرة، لكنّها لم تكن أبداً فرداً من الأسرة. كنت مدركة تماماً لكلّ هذه التّناقضات التي تشعر بها في كلّ يوم عاشته معنا، وكنت أعرف أنّ هذا الشّعور كان يؤلمها بعمق.
* لديك طفلان، فهل تستعينين أيضاً بمربّية لرعايتهما؟
- نعم، ولكنّها بعيدة تماماً عن مربّية الطّفلين في الرّواية (تضحك)، بل بشوشة وتتمتّع بمخيّلة مذهلة أثناء اللعب معهما، ولها أيضاً حياتها الخاصة مع الأصدقاء والعائلة وأصدقائها.
لفترة طويلة بقيت شخصية مربّية الأطفال تراوغ مخيّلة ليلى سليماني، على حد قولها، لكن الرّواية لم تُكتب إلا متأخّراً، بالأحرى بدأت تخايلها فكرة الرّواية للمرّة الأولى في العام 2012، عندما قرأت سليماني عن جليسة أطفال أجنبية قتلت أطفال الأسرة الأميركية التي تعمل لديها في نيويورك، كان هذا الخبر هو البداية لتنسج سليماني من هذه المأساة مسرحاً لروايتها، ولترصد من خلالها الواقع الصّعب الذي تعيشه كثير من النساء في فرنسا اليوم، خاصة المهاجرات منهنّ.
* إلى أيّ مدى تشبهك شخصية «مريم» الأمّ في الرّواية؟
- ربّما في الشّعور الدّائم بالذّنب بسبب أيّ تقصير في واجباتي كأم، خاصة إذا كان عليّ ترك الطّفلين لساعات طويلة بصحبة مربّيتهما، أو حتى عندما أذهب إلى العشاء في الخارج لعمل أو مع الأصدقاء، أجدني أفكّر دائماً في أنّني ربما أكون أمّاً سيّئة، ولكن أعتقد أن كلّ أم تعاني من ذلك الشّعور الدائم بالتّقصير، كذلك تشبهني شخصية مريم في الطّموح الكبير الذي تمتلكه حيال عملها، لأنّي تربّيت على فعل كلّ شيء بالشّكل الأفضل، لكن ثمّة بالطبع الكثير من الاختلافات بيني وبين شخصية مريم في الرّواية، منها أنّني لست متخوّفة على الدّوام مثلها، كما أعتقد أنّ شخصيتي أكثر بساطة منها وأنّني أكثر سعادة، مريم تطرح على نفسها باستمرار الكثير من الأسئلة التي ليس لها إجابات، هي تريد دوماً شيئاً آخر لا تعرف كيف تحدّد هويته.
وتستطرد سليماني متنهّدة: «تبذل الأم في الرّواية قصارى جهدها للحفاظ على صورتها كأمّ جيّدة أمام المحيطين بها، وهذا أمر مرهق للغاية، فكلّ أمّ تريد أن يظهر أبناؤها باعتبارهم الأجمل والأذكى والأحسن، ومع تعدّد منصّات التّواصل الاجتماعية اليوم، نجد أنّ هذه الرّغبة في إظهار السّعادة صارت هي لغة العصر، حتى ولو كانت سعادة مزيّفة، وهو ما نراه من انتشار صور العائلات على إنستغرام، أو تويتر، أو فيسبوك، أثناء العطلات الصيفية أو حفلات الزّفاف، صارت مواقع التواصل الاجتماعي منصّات معدّة سلفاً لإظهار مدى السعادة، وبطلا روايتي «مريم» و«بول» من هذه الفئة من الناس الذين يحبّون الإعلان عن سعادتهم أمام الآخرين، حاولت أن أظهر ما الذي سيحدث حين يقتحم حياتهما الهادئة شخص غريب يتجسّد في شخصية المربّية، كيف سيتعاملان معها، خاصّة حين تكون ابنة طبقة اجتماعية مختلفة تماماً عن طبقتهما، عانى الزوجان كثيراً في العثور على مربّية أطفال تتلاءم مع احتياجاتهما، ورغم ذلك بقيا يضعان الشّروط الصّعبة، لذلك فإنّ علاقتهما بالمربّية شهدت منعطفات كثيرة في الرّواية، أدّت إلى هذه الجريمة البشعة التي انتهت بها الأحداث».

تدمير التّابوهات
* بطلة الرواية لديها جذور شمال إفريقية مثلك، لكن هذه التفصيلة لم يتم استثمارها في الرّواية بأيّ شكل، وبالتّالي لم تكن ذات أهمية في بناء الشّخصية، من وجهة نظر بعض النّقاد، هل كنت منتبهة إلى هذه النّقطة أثناء الكتابة؟
- نعم، أردت أن أظهر أن هذا الأصل لن يفرق في شيء، سواء كانت مريم لها جذور مغربية أو تونسية أو جزائرية، أو حتى كانت فرنسية، ما الفرق؟ الأدب يعلّمنا دوماً إعادة النظر إلى الأشياء التي ربما نراها مهمّة ومصيرية، وهي في واقع الأمر ليست على هذا النحو، التركيز على الإثنيّات الموجودة حولنا شيء مجنون، لأنّه سيكون ضد فكرة التّنوع التي يجب أن تكون ركيزة مجتمعاتنا الحديثة، وشخصية مريم لم يؤثر فيها أصولها الإفريقية، بقدر ما تظهر الرواية أن كونها امرأة عاملة يلعب دوراً أكبر في تشكيل شخصيتها خلال الأحداث.
* هل ترين أنّك قادرة، من خلال الكتابة، على لعب دور مهم في تدمير التّابوهات التي تحكم بعض مجتمعاتنا الرّاهنة؟
- بل متأكّدة تماماً أنّني قادرة على لعب هذا الدّور، خاصّة لو امتلكت القدرة على مناقشة هذه التّابوهات أمام الجمهور في لقاءات مباشرة، لأنّ السّكوت عن هذه التّابوهات يكسر بداخلنا الكثير من إنسانيتنا.

من هي ليلى سليماني؟
* أديبة فرنسية من أصل مغربي، ولدت في أكتوبر(تشرين الأول) 1981 لأب مغربي وأم فرنسية من أصل جزائري، نشأت بوسط فرنكفوني ودرست بالثّانوية الفرنسية بالرّباط، ثم انتقلت عام 1999 إلى باريس لمتابعة دراستها، حيث حصلت على دبلوم معهد الدراسات السياسية بباريس. كما درست الإعلام بالمدرسة العليا للتجارة في باريس.
* عملت بمجلة «جون أفريك» عام 2008 مكلّفة بشؤون أفريقيا الشّمالية لخمس سنوات، ثم استقالت وتفرّغت للكتابة.
* أصدرت سليماني باكورة أعمالها الأدبية عام 2013 عن مدينة الدّاخلة، وكان بعنوان «خليج الدّاخلة». كما أصدرت عام 2014 روايتها الأولى «في حديقة الغول - Dans le jardin de l›ogre»، والتي سرعان ما رُشحت لجائزة لو فلور Le flore في السنة نفسها، وفازت الرواية بجائزة «المامونية» المغربية عام 2015.
* وصلت إلى القائمة القصيرة لجوائز الغونكور الفرنسية العريقة عام 2016 عن روايتها «أغنية هادئة Chanson Douce غاليمار 2016، وفازت الرواية بالجائزة، متفوّقة بذلك على ثلاث روايات أخرى هي:«الآخر الذي نعبد» للكاتبة الفرنسية كاترين كيسيه، و«متوحشون» للفرنسي لريجيس جوفري، و«بلد صغير» للفرنسي الرواندي غايل فاي.
* بحصولها على الغونكور أصبحت سليماني ثالث وجه أدبي عربي يتوّج بالغونكور بعد المغربي الطّاهر بنجلون الذي فاز بها عام 1987 عن رواية «ليلة القدر»، واللبناني أمين معلوف الذي نالها عام 1993 عن روايته «صخرة طانيوس».