كمستخدمة نشط لوسائل الإعلام الاجتماعية، كنت متشككة في الجدل الدائر حول وسائل الإعلام الإلكترونية، وأن المنتديات التي تعقد على المواقع الإلكترونية مثل «فيسبوك» و«تويتر» تحقق تعادلاً. ويعتقد بعض المؤيدين لوسائل الإعلام الاجتماعية أن هذه الأدوات تتيح التعبير عن الرأي العام بلا قيود، وتساعد على تبادل الأفكار في المنتديات التي تسمح لكل المشاركين بالتعبير بحرية عن أفكارهم ومشاعرهم، وتعرض المستخدمين لأفكار متنوعة. ولقد رأينا أمثلة مؤثرة – خلال «ثورة إيران الخضراء» ومؤخراً في فيرجسون، بولاية ميسوري – لوسائل الإعلام الاجتماعية التي تستخدم لتنسيق المسيرات وتبادل المعلومات. ويمكن القول إن هذا من شأنه أن يوسع من مساحة الحرية المتاحة لنا. وخلال محاضرة حضرتها العام الماضي، افترضت لجنة تضم مستشارين سياسيين وخبراء إعلاميين أن وسائل الإعلام الاجتماعية، خاصة «تويتر»، قد ساعدت بشكل ملحوظ على تعزيز الديمقراطية وتشجيع المشاركة السياسية. وتنبأ أحد أعضاء اللجنة بأنه يمكن حتى إجراء الاقتراع السياسي والعام في نهاية المطاف عبر وسائل الإعلام الاجتماعية؛ لأنها توفر تصويراً دقيقاً وعلى نطاق واسع يوفر الوقت الحقيقي لمشاعر العامة فيما يتعلق بالقضايا الخلافية أكثر مما كانت تحققه الوسائل السياسية الأخرى ووسائل الإعلام التقليدية في الماضي. ولكن هل هذا صحيح؟ أشارت دراسة جديدة ومثيرة للدهشة أجراها مركز «بيو» للأبحاث وجامعة «روتجرز» إلى أن العكس هو الصحيح - وأن أدوات وسائل الإعلام الاجتماعية قد تُثبّط بالفعل الجدل حول الشؤون العامة وتحد من تنوع الآراء التي غالباً ما يُعتقد أنها تزدهر عبر منتديات الإنترنت. وقال «كيث هامبتون»، أحد معدي الدراسة، «لقد كان الأمر موثقاً بشكل جيد منذ ما قبل ظهور الإنترنت أن «دوامة صمت» تسود عندما يعتقد الناس أن آراءهم هي الأقلية مقارنة بآراء من حولهم. هذا النوع من الرقابة الذاتية قد يعني أن معلومات مهمة لا يتم تقاسمها أبداً». وطالما كان الرأي التقليدي أن الإنترنت كانت الترياق لهذا النوع من الرقابة الذاتية. ونظراً لأنها تتيح عدم الكشف عن الهوية، بصورة نسبية، ينبغي أن يصبح الناس أكثر جرأة للتعبير عما يدور بخلدهم في إطار من السلامة النسبية لمنصات الإنترنت بطريقة تمنعهم من القيام بذلك شخصياً في اللقاءات العامة أو حتى عبر الهاتف. ورغم ذلك، فعلى ما يبدو أن «دوامة الصمت» قد اخترقت حتى العالم الرقمي، لتردع الكثير من الناس عن مناقشة الموضوعات التي قد تؤدي إلى جدل أو خلاف. وعلاوة على ذلك، فإن الدراسة التي أجراها مركز «بيو» وجامعة «روتجرز» وجدت أن وسائل الإعلام الاجتماعية لم تجعل من السهل بالنسبة للناس تبادل الآراء التي لن يتقاسمونها بطريقة أخرى. وافترض الباحثون أن بعض المستخدمين الأكثر نشاطاً لوسائل الإعلام الاجتماعية قد يكونون أكثر وعياً بالموضوعات المثيرة للجدل، التي يمكن أن تمثل نهجهم الحذر في تناول قضايا من المحتمل أن تثير جدلاً في دائرة اتصالاتهم. ولكنها ليست فقط الحساسية الثقافية هي التي تديم الحذر في التفوه بما يدور في خلد المرء. لقد ساهمت شبكة الإنترنت، بطريقة أو أخرى، في عزل الأفراد من خلال تمكين الناس من الاختيار الذاتي للأخبار والآراء التي يقرأونها، وغالبا ما يقتصر اضطلاعهم على الآراء التي يوافقون عليها فقط. كما أن مزودي وسائط التواصل الاجتماعي، الذين «يقترحون» أصدقاء، وينصحون بمتتبعين ويروجون قصصاً للقراءة بناءً على المفضلات السابقة لشخص ما، يساهمون في جعل هذه الظاهرة دائمة. وأضاف «كيث هامبتون» في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «الأشخاص الذين يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية يجدون طرقاً جديدة للانخراط سياسياً، لكنّ هناك فرقاً كبيراً بين المشاركة السياسية والتداول السياسي. فالناس أقل عرضة للتعبير عن آرائهم والتعرض للجانب الآخر، وهذا هو التعرض الذي نود أن نراه في الديمقراطية». ولكي نكون منصفين، فإن بحث مركز «بيو» يستند إلى استعراض شامل لاستجابة العامة لقضية واحدة مثيرة للجدل بشكل كبير. وقد قام الباحثون بإجراء تقييم وخلصوا إلى استنتاج بناءً على دراسة رغبة المشاركين في مناقشة قضايا تتعلق ببرنامج الرقابة الخاص بوكالة الأمن القومي وتسريبات متعاقد الوكالة «إدوارد سنودن» - وهو موضوع قد لا يكون ممثلاً لمجموعة من القضايا يكون الأميركيون أكثر استعداداً للانخراط في مناقشتها. ولكن هل تساهم وسائط التواصل الاجتماعي في عزلة المستخدمين أكثر من ربطهم ببعضهم بعضاً وتعريضهم لأفكار جديدة ومتباينة؟ وفي السياق نفسه، يؤكد الخبراء في مجال التكنولوجيات الحديثة أن تأثير وسائل الإعلام الاجتماعية ينمو بشكل متزايد وغير مسبوق، إذ قطعت هذه الأخيرة أشواطاً كبيرة في مجال تعبئة الشعوب ودفعها للمشاركة في الحياة العامة والسياسية تحديداً. ولا يمكن تجاهل التأثير القوي لوسائل الإعلام الاجتماعية على الشعوب، ودفعها للتحرك والمشاركة في الحياة العامة، من خلال فتحها المجال لتبادل ومشاركة المعلومات بين الجميع، بخلاف وسائل الإعلام التقليدية التي تصب المعلومات باتجاه واحد لتتشكل ثنائية المنتج والمتلقي السلبي. فوسائل الإعلام الاجتماعية، على غرار موقعي التواصل الاجتماعي «تويتر» و«فيسبوك»، الذي يقارب عدد مستخدميه نصف المليار، تجاوزت حقيقة الدور الإخباري لوسائل الإعلام، وحققت الأهم بخلق التواصل والتفاعل بين الناس للمشاركة بأنفسهم وبمختلف مستوياتهم الثقافية في صنع الخبر ونشره بأقصى سرعة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشونال»