قطعت إندويسيا شوطاً طويلًا منذ العشرين من أكتوبر عندما أدى «جوكو ويدودو» اليمين الدستورية ليصبح رئيساً للجمهورية. وكانت التوقعات أن «ويدودو»، الملقب «جوكوي» سيسرّع من وتيرة إصلاحات سلفه «سوسيلو بامبانج يودويونو» -من حيث تطوير البنية التحتية وتقليل الإجراءات الروتينية والحد من الفساد. ومن أفضل لفعل ذلك أكثر مِن أول زعيم في إندونيسيا مستقل عن الأسر السياسية والجيش؟ وقد بلغ معدل النمو في الربع الثاني من العام أدنى مستوياته في ستة أعوام ليسجل 4,67%. وكشف استطلاع أجرته مؤسسة «ماستركارد» حدوث «تدهور شديد» في مؤشر ثقة المستهلكين، الذي تراجع إلى أسوأ المستويات في آسيا. وبالفعل، فإن بعض المستثمرين يعربون عن استيائهم وقد يغادرون البلاد. كما تراجع مؤشر جاكرتا المجمع بنسبة 13% مقارنة بالمعدلات القياسية التي سجلها في شهر أبريل، ما يعد واحداً من أكبر معدلات الهبوط المسجلة في آسيا في ذلك الشهر. وبالنسبة للاستثمار الأجنبي المباشر الذي كان مخيباً للآمال في الربع الأخير، حيث بلغ حجمه 7,4 مليار دولار، فقد تغير أيضاً عن العام السابق من حيث القيمة الدولارية. بيد أن لدى «جوكوي» أيضاً متسعا من الوقت لتغيير الأمور، فلا يزال أمامه 1535 يوماً في فترة ولايته التي تمتد خمسة أعوام. ولكن «تأثير الهالة» التي أتى بها إلى السلطة ربما بدأ يتلاشى، بحسب ما ذكر مسؤول ماستر كارد «ماثيو درايفر». وفي البداية، ينبغي على «جوكوي» تكثيف الجهود المبذولة لمحاربة ضعف الصادرات. وتتمثل المعوقات التي سيواجهها في إنفاق حكومة إندونيسيا المحدود، والإجراءات البيروقراطية الخانقة واللوائح المتضاربة، علاوة على تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، ما يجعل الأمور غير ملائمة. ويتعين على «جوكوي» أن يعطي الضوء الأخضر لتوسيع مشروعات البنية التحتية من أجل تعزيز التنافسية وزيادة عدد ونوعية الوظائف. وعليه أيضاً أن يقرر أي نوع من الزعماء يريد أن يكون: هل يصبح شعبوياً أم المجدد الذي تحتاج إليه إندونيسيا؟ وفي الشهر الماضي، قام الرئيس الإندونيسي برفع التعريفة الجمركية على الواردات، بينما كان يطلب من رئيس وزراء بريطانيا «ديفيد كاميرون» أن يفعل العكس من خلال خفض الرسوم البريطانية على السلع الإندونيسية. وفي هذا الصدد، قال خبيرا الاقتصاد «أريانتو باتونرو» و«سيجامسو راهردجا» في تقرير لهما لمعهد «لوي» للسياسة الدولية: «بدلًا من اتباع سياسات تدخلية، تحتاج الحكومة الإندونيسية إلى العودة إلى الأساسيات التي تتمثل في البنية التحتية والخدمات اللوجستية واتساق القواعد والأنظمة». وهذا يعني العمل على تحقيق منجز اقتصادي والتفكير بصورة أكبر. ولنأخذ مثلاً دفعة التصنيع التي دعا إليها «جوكوي». ومن المفهوم أنه يريد دعم تطوير التصنيع بهدف زيادة الصادرات وخفض العجز المستمر في الحساب الجاري. ولكن «جوكوي» يحتاج إلى استكمال هذه السياسة من خلال الاستثمار في التعليم والتدريب. وفي ظل أن أكثر من 26% من شعبه تحت سن الـ15 (مقابل 17% في الصين)، ينبغي أن تتأهب إندونيسيا لاقتصاد المعلومات في المستقبل أيضاً. وبينما لا يزال الوقت مبكراً أمام «جوكوي»، إلا أن إندونيسيا تدفع ثمن سوء إدارته. فقد انخفضت قيمة الروبية بنسبة 13% خلال الـ12 شهراً الماضية -ولا يزال ارتفاع معدل ما بعد التيسير الكمي للاحتياطي الفيدرالي يلوح في الأفق. والمشكلة بالنسبة لدول مثل البرازيل وروسيا والصين وإندونيسيا تتمثل في أن حكومات هذه الدول تصبح قانعة بما حققت بعد عدة سنوات من ازدهار الاستثمار. لقد حان الوقت كي نتساءل ما مدى التقدم الذي حققته منطقة جنوب شرق آسيا بأكملها في العقود الأخيرة. إن تايلاند تتراجع بسرعة حيث لم يهتم المجلس العسكري الأخير، الذي حكم البلاد، بالاقتصاد. وتراجعت قيمة عملة ماليزيا إلى أدنى مستوياتها في 17 عاماً. والآن، تفقد إندونيسيا بعض الاستثمار الذي عملت بجد للفوز به منذ الإطاحة بسوهارتو. ويليام بيسيك* * محرر الشؤون الاقتصادية في «بلومبيرج فيو»، مقيم في طوكيو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»