من الأحاديث الصحيحة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله “مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ لا يَشْكُرُ اللَّهَ”، (الترمذي)، هذا الحديث يلفت نظرنا إلى أن قيمة الشكر لها منزلة كبيرة وأهمية بالغة لدرجة أنها إذا لم تتحقق في علاقات الناس بعضهم مع بعض فإنها بالتالي لا تتحقق في علاقة الإنسان بالله. وهذا الربط بين شكر الناس وشكر الله، يحتاج إلى وقفة نتأمل فيها هذه القيمة المهمة في حياة الناس، فمن المعروف أن العلاقات بين البشر في حاجة ماسة إلى دعم متواصل لتقوية أواصرها وترسيخ أركانها من أجل المزيد من التعاون والتضامن لتحقيق الخير للمجتمع الإنساني. ولا يكلف هذا الدعم كثيراً في معظم الأحيان. والأمر الطبيعي أنه إذا حيينا بتحية فينبغي أن نرد التحية على الأقل بمثلها أو بأحسن منها، وإذا أسدى إلينا أحد جميلاً أو قدم لنا خدمة معينة قولاً أو فعلاً فإن الواجب يقتضي أن نقدم له الشكر على ذلك أيضاً قولاً أو فعلاً حتى لو كان ما يقدمه لنا يقع في دائرة مسؤوليته المباشرة، ولهذا تسمع كثيراً في مثل هذه المواقف رداً على كلمة الشكر عبارة “لا شكر على واجب”. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا عائشة، إذا حشر الله الخلائق يوم القيامة قال لعبد من عباده، اصطنع إليه عبد من عباده معروفا: هل شكرته؟ فيقول: يا رب علمت أن ذلك منك فشكرتك عليه فيقول: لم تشكرني إذ لم تشكر من أجريت ذلك على يديه”. (الطبراني). وهذا سلوك حضاري راقٍ ينبغي أن يسود بين الناس، ولكن كثيراً ما يضن الناس حتى بكلمة الشكر التي لا تكلفهم شيئاً في مقابل ما يقدم لهم من خدمات، ويستخدمون بدلاً من ذلك كلمات لا تعبر عن الشكر والامتنان الذي يؤكد الصلات بين الناس، أو لا نسمع منهم شيئاً بالمرة، أو نسمع ما يدل على النكران وعدم الاعتراف بالجميل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق يقول: “لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ”، (أبو داود)، إن الشكر يعني الاعتراف بالفضل لأهل الفضل والثناء على المحسن بذكر إحسانه، ويقاس على شكر الوالدين الشكر للذين أسهموا في تربية عقولنا وصياغة أفكارنا وتزويدنا بالعلم والمعرفة، ويدخل في هذا الباب أيضاً الشكر للوطن على ما يقدمه لنا من خدمات، ولكن الشكر في هذه الحالة يكون بالدرجة الأولى متمثلاً في حماية الوطن من كل الأخطار التي قد يتعرض لها، والدفاع عنه والحفاظ على مكاسبه. الشكر لا يعني التقليل بأي حال من الأحوال من شأن الشاكر، أو إشعاره بأنه أقل شأناً ممن يقدم لهم الشكر، إنه على العكس من ذلك يعني أن الشاكر إنسان متحضر يدرك أهمية القيم الإنسانية في حياة الناس وما لها من تأثير كبير في تقوية الروابط الإنسانية بين البشر وبالتالي في تقدم المجتمع وازدهاره.