العلاقات الأميركية - السودانية
في البداية يجدر بنا عند الكتابة عن العلاقات الأميركية وسياساتها نحو السودان (الموحد/المنقسم) يجدر بنا الاعتراف التاريخي بأن الاهتمام الأميركي بالسودان لا يعود إلى الحرب الأهلية ودورها المميز في العمل لقيام اجتماع نيفاشا وما تمخض عنه من اتفاقات من الدول المانحة بإعادة تعمير وتأهيل الجنوب والمناطق السودانية الأخرى التي تأثرت بالحرب الأهلية.
لقد عرف الأميركيون السودان أثناء الحرب الكونية الثانية وقد أنشأت القوات الجوية الأميركية "قاعدتين جويتين" الأولى في "وادي سيدنا" كقاعدة إمداد وتموين وأنشأت القاعدة الثانية في الفاشر عاصمة دارفور.
وعرفت الدبلوماسية (أو الاستخبارات) الأميركية طرقها للسودان حتى قبل إعلان انتهاء الفترة الانتقالية (53 - 56) وإعلان الاستقلال وكان للولايات المتحدة "مبعوث" مقيم في السودان قبل الاستقلال واهتمت الولايات المتحدة بالصراع الجنوبي - الشمالي منذ بدايته العلنية عندما تمردت الفرقة الجنوبية في حماية توريت والتي كانت فيما بعد بداية أطول الحروب الأهلية في أفريقيا.. سبب كتابة هذه المقدمة التاريخية هو التعقيب على محاضرة السفير "برينتسون ليمان"، التي قدمها مؤخراً بمركز (مايكل أنصاري بالمجلس الأطلنطي للعلاقات الدولية).
وبرغم أن السفير "ليمان" قد ذكر أن محاضرته معنية بعلاقة الولايات المتحدة بأفريقيا، لكن الجزء الهام من حديثه والذي شغل المجتمع السياسي السوداني في الداخل والخارج كان عن علاقة الولايات المتحدة بالسودان وجنوب السودان . فقد كانت محاضرة السفير المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدولتي السودان وجنوب السودان الشغل الشاغل لمحترفي السياسة في السودان ودارت حولها تحليلات وتعليقات وأماني ومخاوف.
وقبل أن نبدأ في استعراض آراء "ليمان"، أود الإشارة إلى أنه دبلوماسي محترف وعالم متخصص في الشؤون الأفريقية وأستاذ في جامعة جورج تاون الشهيرة وعمل سفيراً للولايات المتحدة في نيجيريا وجنوب أفريقيا.
ورأس الوفد الأميركي في مفاوضات نيفاشا عام 2005 - وعاد ليصبح مساعداً لوزير الخارجية الأميركية للمنظمات الدولية، وبدأت علاقته الرسمية بالسودان والسودانيين من أيام نيفاشا وتَعَرَفَ وعَرِفَ الأشخاص اللاعبين هذه الأيام في ملاعب السياسية السودانية في الحكومة وحزبها والمعارضة وقياداتها. وقد اختاره أوباما وعينه مبعوثاً خاصاً له لدولتي السودان في 31 مارس 2011.
بدأ المبعوث الرئاسي بالقول (عند الحديث عن السودان غالباً ما يتم التركيز على اتفاق السلام الشامل والعلاقات بين السودان وجنوب السودان. على الرغم أن هذه الموضوعات تشكل أهمية كبرى، فإنها في بعض الأحيان تطغى على أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة والسودان)، وهو رأي وقول سديد، لكن سببه ومصدره أن أهم قضية بالنسبة للسودان، هو تصويب علاقته مع دولة الجنوب وما تبعها من قضايا تجري على أرض السودان، ولدولة الجنوب دور ومسؤولية سياسية وأخلاقية.
وقد استشهد المبعوث الرئاسي برسالة أوباما التي أذاعها عبر الفيديو للسودان ولجنوب السودان في 12 أبريل الماضي، و قال فيها: (لن تعيشوا بسلام إذا كان جارك يشعر بالتهديد.. لن يشهد أياً منكم تنمية وتقدم إذا رفض جاره أن يصبح شريكاً له في التجارة).
كان هدفنا من اتفاق السلام الشامل بمجرد أن اختار الجنوب الاستقلال هو وجود دولتين قابلتين للحياة تتعايشان بسلام وتستفيدان من فرص التعاون الاقتصادي والتنمية، ومن دون ذلك، أي من دون أن تكون الدولتان قويتين ومسالمتين ومتطورتين اقتصادياً، فإن حظوظ كلا منهما ستكون في خطر.
وهذه حقاً "نصيحة خالصة وجيدة"، لو وجدت آذاناً صاغية وعقلا مفتَّحاً. لكن الترحاب الحار و"الاعتراف الشجاع" بإعلان استقلال جنوب السودان من جانب الحزب الحاكم برئاسة البشير كان يخفي ما يخفي وكان "الاعتراف الشجاع". مظهر لا بد منه أمام ممثلي المجتمع الدولي الذين تجمعوا في جوبا.
والحقيقة أن الدولتين ما كان لهما من حاجة إلى نصيحة أوباما أو غيره، فالواقع كان وما يزال يفرض عليهما أن يتعايشا في سلام وأن يتركا النظر إلى الماضي ويتطلعا إلى المستقبل.
بعد الاتفاقية جاءت فترة شهدت فيها العلاقات الأميركية تحسناً، بل شهدت تلك الفترة تعاوناً بين أجهزة الأمن في البلدين. في تلك الفترة كان هنالك تيَّار في الإدارة الأميركية يتصوَّر أنه من الممكن احتواء وترويض هذا النظام الإسلامي، ليكون نموذجاً للمنظمات والأحزاب الإسلامية وأنَّ التعاون مع الولايات المتحدة يمكن أن يكون مفيداً وأن المنظمات الإرهابية كـ"القاعدة" مصيرها إلى زوال، وأن الولايات المتحدة وحلفاءها سيهزمون الإرهاب الإسلامي، بل إن العلاقات الرسمية بين البلدين كانت تتطور للأحسن وكانت هنالك وعود برفع اسم السودان من قائمة الدول التهمة بالإرهاب. نعم كانت هنالك شكوك متبادلة بين الطرفين، ولكن على النحو الآخر كان الحديث عن التعاون والوعود بالعون والمساعدة مستمراً إلا أن تطورين خطيرين في السودان أعاد عجلة العلاقات الأميركية إلى مرحلة ما قبل نيفاشا.
عبدالله عبيد حسن
كاتب سوداني مقيم في كندا