محمد حامد (دبي)

«هذه حضارتنا»، التي تفتح قلبها للعالم، ولكن دون أن تفقد هويتها، تلك هي الرسالة الأولى التي تلقاها ما لا يقل عن نصف مليار حول العالم في تفاعلهم مع بطولة مونديال الأندية، التي أقيمت في أبوظبي والعين خلال الفترة من 12 إلى 22 ديسمبر، وشهدت انتزاع العين وصافة العالم، وتتويج الريال بلقبه المونديالي الرابع في التاريخ، والثالث على التوالي، وفي مثل هذه البطولات التي تحظى باهتمام عالمي لافت، تتجاوز المكاسب ما يتعلق بكرة القدم. وحرص النجم الإٍسباني الشهير سيرجيو راموس قائد الريال المتوج بـ20 لقباً في مسيرته الكروية، على أن تصل رسالته التي كتبها للإمارات للعالم أجمع، حينما غرد قائلاً: «كل الاحترام لحضارتكم وثقافتكم»، وأرفق هذه الكلمات مع صورة لجامع زايد الكبير، وقبلها كان قد حرص على زيارة «لوفر أبوظبي»، وقال: «هنا الثقافة والفن والحضارة». كما نجحت الإمارات في أن تستمر في صناعة العالمية، وهو ما يحدث في قطاعات شتى، ولم يكن لائقاً أن تتأخر كرة القدم بما لها من سحر وشعبية في دخول دائرة تألق الوطن على الساحة العالمية في مجالات عدة، وقد تحقق ذلك ببلوغ العين نهائي مونديال الأندية للمرة الأولى في تاريخ أندية الخليج، والمرة الرابعة في التاريخ التي تشهد كياناً كروياً من خارج أوروبا وأميركا اللاتينية يصل إلى هذه المكانة.

رسالة أخرى من «أبوظبي 2018» إلى العالم تقول إننا شركاء في كتابة أعظم فصول التاريخ الكروي لعمالقة الكرة العالمية، بداية من البارسا في 2009، مروراً بالإنتر 2010، وصولاً للريال في النسختين الأخيرتين عامي 2017، و2108، والأمر لا يتعلق بجزء مهم في تاريخ هذه الأندية فحسب، بل في ثنايا هذا التاريخ صنع أشهر النجوم بعضاً من أسطورتهم هنا على أرض أبوظبي، وعلى رأسهم ميسي ورونالدو، ومودريتش، وبيل، وغيرهم من النجوم. وأما رابعة الرسائل التي تتعلق بقدرات الإمارات التنظيمية، والبيئة المثالية التي توفرها للآلاف ممن حرصوا على حضور مباريات البطولة، فقد تحققت بواسطة جماهير ريفر بليت على وجه التحديد، فقد أثاروا قلق قارة أميركا الجنوبية بكاملها في النهائي الشهير بين الريفر والبوكا، مما تسبب في نقل المباراة إلى مدريد، ولكنهم أتوا إلى أبوظبي ليصبحوا أروع مما يتخيل العالم، فتحول المشاغبون إلى رائعين. الرسائل السابقة استقبلها العالم في الأيام الماضية، وبالنظر إلى الأصداء في الصحف والمواقع العالمية، فقد تم التأكد من وصولها للجميع، وبقيت رسالة واحدة للداخل، والمعني بها «الأبيض»، الذي يخوض تحدياً من العيار الثقيل في كأس آسيا، التي تقام في الإمارات في الفترة من 5 يناير حتى الأول من فبراير 2019، وقد ارتفع سقف الطموح لتحقيق الهدف المنشود في التحدي القاري، فالتجربة العيناوية في المونديال بما قدمته في أرض الملعب، وما حققته على مستوى الحضور الجماهيري، والتفاعل الإعلامي سوف تتكرر في «الإمارات 2019».

هذه حضارتنا وتلك ثقافتنا
لا يمكن حصر التفاعل الإعلامي والجماهيري على المستوى العالمي مع مونديال الأندية في «السوشيال ميديا» فقط، على الرغم من أنها ضمنت وصول الصورة الحضارية لأبوظبي إلى ما لا يقل عن نصف مليار شخص حول العالم، حيث يملك ريال مدريد بمفرده منصات رقمية من مواقع وحسابات «سوشيال ميديا» يبلغ عدد من يتابعونها 300 مليون، فيما يتواصل نجوم الريال مع العالم عبر منصات أخرى يبلغ عدد من يتابعونها ما لا يقل عن 200 مليون. فضلاً عن أن الصحف العالمية التي كانت حاضرة في قلب الحدث بأبوظبي والعين، والتي جاءت من أوروبا، وتحديداً إسبانيا، وفرنسا، وإنجلترا، وكذلك تلك القادمة من الأرجنتين والبرازيل، والمكسيك، ومن اليابان، ونيوزيلندا، والدول العربية تضمن بعداً آخر لتوصيل الرسالة التي تتغزل في حضارة الإمارات، ويجسد راموس الصورة الرمزية لوصول هذه الرسائل، فقد غرد قائلاً: «أحترم حضارتكم وثقافتكم، ما رأيته هنا شيء فريد ولا مثيل له»، وقد كان يتحدث عن معالم أبوظبي بإعجاب يتجاوز نظرة سائح.

عالمية التنظيم والإنجاز
لم يسبق لأي جهة إعلامية عالمية أو مؤسسة رياضية دولية أن رصدت جانباً سلبياً في تنظيم الإمارات لأي حدث رياضي، ولم يعد هناك ما يمكن التحدث عنه حول جودة وعالمية تنظيم البطولات على أرض الإمارات، وفي الفترات الأخيرة، حصد مونديال الأندية الذي نظمته أبوظبي 4 مرات، والفورمولا-1، الذي أقيم بحلبة مرسى ياس على مدار 10 سنوات، وغيرها من الأحداث العالمية الكبيرة إعجاباً عالمياً لافتاً، وجاء نادي العين ليضيف إلى النجاح التنظيمي المعتاد بعداً آخر للعالمية ببلوغ نهائي مونديال الأندية، وهو الإنجاز الكروي الأفضل في تاريخ الإمارات والخليج، ويضاهي أفضل إنجاز عربي لفريق الرجاء المغربي. كما أن العين أصبح رابع فريق في العالم من خارج أوروبا وأميركا الجنوبية يصل إلى النهائي المونديالي، ويضاف إلى ذلك أنه صاحب أسرع هدف في تاريخ البطولة العالمية، كما أنه صاحب المعدل التهديفي الأفضل في تاريخها برصيد 9 أهداف، ويشترك في ذلك مع ريال مدريد الذي فعلها عام 2000، وكاشيما الياباني الذي سجل 9 أهداف في نسخة 2016، كما أن العين يشترك مع كاشيما في تحقيق أفضل إنجاز آسيوي بالوصول إلى نهائي كأس العالم للأندية، والدرس العيناوي يحفز الجميع لجعل إبداع النتائج يضاهي التميز الإماراتي في تنظيم البطولات.

شركاء في كتابة تاريخ العظماء
سيظل تاريخ الكرة العالمية يذكر أبوظبي إلى جنباً إلى جنب مع البارسا والإنتر والريال، وليس هذا فحسب بل إن ليونيل ميسي، وبيب جوارديولا، وزين الدين زيدان، وكريستيانو رونالدو، ولوكا مودريتش، وجاريث بيل، وغيرهم من النجوم لن ينسوا محطتهم الكروية في أبوظبي، وستظل بصماتهم في النسخ المونديالية التي أقيمت في أبوظبي محفورة في ذاكرة الجماهير، وحاضرة في التقارير الصحفية والإعلامية.
«بيب تيم» أصبح واحداً من أعظم الكيانات الكروية في التاريخ بعد الحصول على مونديال الأندية في أبوظبي عام 2009، فقد كان اللقب السادس في عام واحد لجوارديولا وفريقه الذي أبهر العالم، ولم يذرف بيب دموع المجد إلا على أرض استاد مدينة زايد الرياضية. كما دخل الإنتر التاريخ من الباب الأوسع في عام الثلاثية التاريخية التي أضاف إليها لقب بطل العالم في نسخة 2010، وفي 2017 حقق الريال لقب البطولة، ومعه بصم الجميع على عبقرية زيدان، وتصدر رونالدو لقائمة الأكثر تسجيلاً في البطولة على مدار تاريخها بـ7 أهداف، وفي 2018 بدأ سولاري من هنا قصة نجاحه باللقب الأول، ونال الريال لقب المونديال للمرة الرابعة، والثالثة على التوالي «رقمان قياسيان تاريخيان»، كما بلغ مودريتش القمة في أفضل عام في مسيرته.

إلى «الأبيض»: نعم نستطيع
الأمر لا يتعلق بـ 7 نجوم من العين حصلوا على ثقة خوض المواجهات والبطولات الكبيرة فحسب، بل إن الرسالة أكثر عمقاً من ذلك، فقد نجح فريق إماراتي في غزو العالمية، ومن ثم يجب التحلي بالثقة الكاملة في الآسيوية، حيث سيكون لنجوم العين، وغيرهم من نجوم بقية الأندية بصمتهم في كأس آسيا، فقد ارتفع سقف الطموح، وتعززت الثقة في النفس، وأصبح حلم اعتلاء عرش القارة ممكناً. واللافت فيما حققه العين في مونديال الأندية أنه لم يكن قاصراً على الأداء الرجولي داخل أرض الملعب فحسب، بل إن الشغف الجماهيري الكبير، كان له مفعول السحر في أداء اللاعبين، وهو مشهد سوف يتكرر في نهائيات البطولة القارية المرتقبة، والتي سيكون سقف الطموح فيها مرتفعاً، في ظل القيادة الفنية لمدرب سبق له الفوز باللقب عام 2011 مع اليابان، ويعلم جيداً أسرار الكرة في القارة الصفراء، كما أن العناصر الحالية للأبيض بها مزيج جيد من الخبرة والشباب في مختلف المراكز.

المشاغبون يتحولون إلى رائعين
انشغل العالم أجمع بصراع الريفر والبوكا على عرش القارة اللاتينية، وتجاوزت إثارة الصراع لتصل إلى حد العنف، وتأزم الموقف بشدة وسط ترقب عالمي كبير، بعد أن تم إلغاء مباراة العودة للنهائي اللاتيني الملتهب، وأنقذت مدريد الموقف، وخطف الريفر تذكرة القدوم للمشاركة في مونديال الأندية ممثلاً لأميركا الجنوبية. وفي أبوظبي تحول الجمهور الأرجنتيني الذي يصل شغفه وعشقه للكرة إلى حد الجنون من دائرة الشغب إلى مصدر للمتعة والبهجة في المدرجات، وفي شوارع العين وأبوظبي، فقد كان عشاق الريفر أحد أهم مصادر البهجة، على الرغم من هزيمة فريقهم أمام العين وضياع حلم مواجهة الريال في النهائي، إلا أن سلوكياتهم لا يمكن وصفها إلا بالرائعة، وحرصوا على الاستمتاع بأيام عدة في إمارات الدولة كافة، وظهروا في النهائي بين الريال والعين ليضيفوا سحراً للمباراة التي تابعها الملايين حول العالم، وبالنظر إلى هذه الجماهير فلم يكن التحول في السلوكيات إلا بسحر وبصمة الأجواء الرائعة في الإمارات.