(أبوظبي) - تباطأ معدل نمو الائتمان بالمصارف العربية خلال العام الحالي إلى 7%، مقابل نمو سنوي نسبته 30% قبيل الأزمة المالية العالمية، الأمر الذي اعتبره الدكتور جاسم المناعي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي “لا يكفي للنهوض بالاقتصادات العربية”. وقال المناعي لـ”الاتحاد” أمس إن معدلات نمو الائتمان الحالية للمصارف العربية أقل من المعدلات المطلوبة لتنشيط القطاع الاقتصادي وتحقيق النمو. ومع ذلك، أشاد المناعي بالتزام البنوك العربية معايير بازل 3 والتي تعزز من قدرتها على مواجهة المخاطر. وتتضمن معايير بازل 3 رفع المستوى الأدنى لنسبة رأس المال المصرفي إلى الالتزامات الخاضعة للمخاطرة من 2% سابقاً إلى 4,5%، إضافة إلى هامش “رأس المال الاحتياطي” ونسبته 2,5% من الالتزامات المالية المصرفية، يسمح للمصرف باستخدامه في حال حدوث أزمة. ويصبح على المصارف بموجب مقررات “بازل 3” أن تجمّد ما يعادل نسبة 7% من قيمة استثماراتها وتعاملاتها الخاضعة للمخاطرة المالية، على شكل رأسمال خاص، وظيفته حماية المصارف من الانهيار في مواجهة الأزمات. السياسات المتحفظة وقال المناعي إن السياسات المالية المتحفظة في الدول العربية أدت إلى تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي لا تزال التخوفات العالمية قائمة بشأن حدوثها مجدداً في الاتحاد الأوروبي نتيجة أزمة الإقراض في اليونان. واعتبر المناعي أن الأحداث السياسية الدائرة بالبلدان العربية حالياً تؤثر سلباً على معدلات النمو المتوقعة للعام الحالي، معرباً عن أمله أن تشهد القطاعات الاقتصادية في تلك البلدان حراكاً سريعاً لتحقيق معدلات نمو إيجابية. يذكر أن تقرير الأسواق العربية الصادر عن صندوق النقد العربي للربع الأول من العام الحالي أوضح أن الاضطرابات التي شهدتها بعض الدول العربية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2011 انعكست في انسحاب ملحوظ للاستثمار الأجنبي وبوجه خاص المؤسسي منه. فقد شهدت الأسواق العربية بصورة مجمعة تراجعاً في صافي تدفق الاستثمارات الأجنبية. كما فاقت عمليات بيع الأجانب عمليات مشترياتهم من الأوراق المالية في غالبية هذه الأسواق، باستثناء بورصات كل من عمان، والكويت، ودبي، والتي شهدت صافي تدفق موجب من الاستثمارات الأجنبية، وإن كان ذلك بنسب طفيفة. وبالمقارنة مع الربع الأخير، سجلت الأشهر الثلاثة الأولى من 2011 صافي تدفق موجب للاستثمارات الأجنبية في البورصات العربية، وذلك للمرة الأولى على مستوى فصلي منذ الأزمة المالية العالمية. جهود الصندوق وذكر المناعي أن الصندوق يعمل لزيادة قدرة البنوك والمصارف العربية على التعامل مع المخاطر الائتمانية من خلال تأهيل الكوادر العاملة وتقديم المساعدات الفنية وطرح التجارب العالمية في مواجهة التحديات والمخاطر المحتملة للقطاع، وذلك في إطار الدورات التدريبية، والتي ينظمها معهد السياسات الاقتصادية التابع للصندوق. وأشار المناعي إلى أن التراجع الحاد في أسواق الأسهم الأوروبية أمس الأول، يعد إنذاراً مبكراً لاحتمال أزمة مالية جديدة تنطلق من أوروبا، لافتاً إلى أن أزمة اليونان تعد اختباراً حقيقياً لقدرة البنوك المركزية والاتحاد الأوروبي على مواجهة التحديات الناجمة عن أزمة اليونان، خاصة أن أكبر الدائنين لليونان بنوك أوروبية. يشار إلى أن تعاملات أسواق المال الأوروبية سجلت أمس الأول تراجعاً جماعياً حاداً لمؤشراتها الرئيسية، وفقد مؤشر “FTSE 100”، المؤشر الرئيس لبورصة لندن 189,45 نقطة، ليغلق التداولات عند مستوى 5102,58 نقطة، بنسبة انخفاض 3,58%. كما أغلق مؤشر “DAX”، المؤشر الرئيس لبورصة “فرانكفورت” الألمانية، منخفضاً بنسبة بلغت 5,28%، وخسر 292,15 نقطة، ليستقر عند مستوى 5246,18 نقطة، كما أنهى مؤشر “CAC 40” الفرنسى، التعاملات على انخفاض بمقدار 148,99 نقطة، ليستقر عند مستوى 2999,54 نقطة، بنسبة انخفاض 4,73%. أزمة اليونان وقال المناعي “إن أزمة الديون اليونانية هي أكبر تحدٍ يواجه منطقة اليورو منذ إنشائها قبل اثني عشر عاماً، عندما تحرك الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي السنة الماضية لإنقاذ اليونان، اشترط الطرفان على أثينا خطة تقشفية صارمة لتلقي مساعدة مالية تمكنها من سداد ديونها الضخمة”. ولفت إلى أن الأزمة المالية العالمية التي تحل ذكراها الثالثة هذه الأيام، كشفت هشاشة كثير من المصارف الأجنبية في عدد من دول العالم، وأن تلك المصارف “لم تكن على استعداد لتحمل الصدمات والمفاجآت غير السارة” على حد تعبيره. وطالب المناعي مسؤولي المصارف بتوقع جميع الاحتمالات والصدمات والعمل على التعامل معها بسرعة، من خلال الاستمرار في التأكد من مدى قدرة المصرف على تحمل تلك الأزمات. وأوضح أن البنوك انهارت سريعاً في الأزمة العالمية الماضية نتيجة الاطمئنان لقدرتها على التحمل، بعد أن توقعت البنوك أن إجراءاتها وسياساتها “سليمة” لا سيما أن نسبة المصارف التي انهارت خلال 20 عاماً سبقت الأزمة المالية لم تتجاوز 3 إلى 5% من إجمالي المصارف. تدخل السلطات وأرجع المناعي مطالبته بتدخل السلطات للتأكد من قدرة البنوك على مواجهة المخاطر، إلى أن الضرر ينسحب على جميع القطاعات نتيجة لحجم تلك المصارف ونسبة تأثيرها في القطاع الاقتصادي، مما ينعكس على المجتمع بل والعالم. وأضاف “الأزمة الماضية تمثل دليلاً كبيراً على ذلك”. وبالنسبة للدولة العربية، فإنها لم تتعاف بشكل كامل من تداعيات الأزمة المالية العالمية. ووصف المناعي الأزمة الأوروبية الحالية بـ”التخوف المحظور” من سقوط وانهيار بنوك أوروبية، معتبراً أن هناك جدلاً كبيراً بين البنوك المركزية الأوروبية وصندوق النقد الدولي بشأن تلك الأزمة. طبيعة الاختبارات ولفت إلى أن طبيعة الاختبارات التي تتعرض لها البنوك متنوعة ومختلفة وفقاً للسوق والسيولة. وضرب في ذلك مثلاً على أزمة بنك نورثن روك في إنجلترا، والخطأ الذي ارتكبه بإقراض أموال المودعين لفترة طويلة من خلال القروض العقارية، والتي تصل إلى نحو 20 عاماً. وأرجع ذلك الخطأ إلى الاعتقاد الشائع بعدم طلب المودعين أموالهم في وقت قصير، وأن التجربة التاريخية تقول إن نسبة سحب المودعين لأموالهم في زمن واحد لا تتجاوز 5% من إجمالي حجم الأموال المودعة لدى البنوك. وأكد المناعي ضرورة توقع حدوث اختلالات في الممارسات والإجراءات ومدى قدرة البنك على توفير السيولة في وقت قصير، وكذلك إمكانية التعامل مع التفاوت في النشاط الاقتصادي من الرخاء للكساد أو العكس. ولفت إلى أن بعض البنوك ارتكبت ممارسات ساهمت في انهيارها نتيجة التوسع في الإقراض لأطراف تتسم جدارتهم الائتمانية بالضعف. وأوضح أن تداعيات الأزمة المالية العالمية استمرت في التأثير على الاقتصاد العالمي، حيث شهدت اقتصادات الدول المتقدمة معدلات نمو سالبة في العامين الماضيين، في الوقت الذي بدأت فيه اقتصادات الدول النامية تعطي مؤشرات التعافي من الأزمة. وقال إن التأثير المباشر للأزمة المالية العالمية في الدول العربية تركز في القطاع المصرفي والمالي، مما يعد محدوداً. دور الصندوق وأكد أن الصندوق يكثف مشاوراته مع دوله الأعضاء بهدف مساندتها في مواجهة التحديات المستجدة قصيرة الأجل، فضلاً عن التحديات القائمة متوسطة وطويلة الأجل المتمثلة في تحقيق النمو المستدام وخلق فرص العمل المنتج وتخفيف حدة الفقر. واستجاب الصندوق خلال عام 2010 لطلبات الدول الأعضاء خلال تقديمه الدعم المادي بالشكل السريع والفعال، وبالقدر الذي تسمح به موارده والوسائل المتاحة لديه. وقام الصندوق خلال العام الماضي بالتوسع في برامجه التدريبية بغية تعزيز القدرات البشرية والمؤسسية في الدول الأعضاء. ونظم الصندوق ندوات ودورات لكبار موظفي الدول الأعضاء حول الأزمة المالية العالمية، وذلك لزيادة الوعي لمدى وعمق تداعياتها على اقتصاداتها وتبادل الآراء حول طبيعة السياسات المعاكسة للدورة الاقتصادية المطلوب تنفيذها في هذه المرحلة. ويقوم الصندوق بإصدار عدد من التقارير والنشرات والبحوث والدراسات، منها النشرة الإحصائية للدول العربية في حلتها الجديدة التي تغطي مجالاتها الحسابات القومية والنقد والائتمان وموازين المدفوعات والدين العام الخارجي والتجرة الخارجية وأسعار الصرف التقاطعية والمؤشرات الاقتصادية للدول العربية والمالية العامة. كما يواصل الصندوق خدمات التدريب التي يضطلع بها معهد السياسات الاقتصادية التابع للصندوق، ويستفيد منها العاملون في وزارات المال والاقتصاد والتخطيط والبنوك المركزية والمراكز الإحصائية في الدول الأعضاء. وتتكامل الدورات التدريبية وحلقات العمل والندوات التي ينظمها المعهد في تحقيق أحد أهم أهداف الصندوق، وهي المساهمة في تطوير مهارات العاملين لدى الأجهزة النقدية والمالية في الدول الأعضاء لتمكينهم من متابعة تنفيذ السياسات الاقتصادية بشكل عام، والسياسات المالية والنقدية على وجه الخصوص. يذكر أن عدد الأنشطة التي نظمها معهد السياسات الاقتصادية من دورات مشتركة مع صندوق النقد والبنك الدوليين وحلقات العمل مع صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية والندوات المتخصصة منذ بداية نشاط التدريب إلى 220 دورة وحلقة عمل وندوة، منها 17 دورة تدريبية خلال 2010، استفاد منها 532 متدرباً، ليصل إجمالي عدد المتدربين منذ إنشاء المعهد إلى 6746 متدرباً. التجارة العربية إلى ذلك، أشار المناعي إلى تراجع حجم التجارة البينية العربية خلال العام الحالي، مقابل النمو الذي شهدته العام الماضي مسجلة ما قيمته 90 مليار دولار، مقابل 77 مليار دولار في 2009. وبلغت قيمة التمويل المقدمة من برنامج تمويل التجارة العربية التابع صندوق النقد العربي، بنهاية العام الماضي نحو 8,15 مليار دولار، فيما بلغت قيمة السحوبات خلال الفترة 1990-2010 نحو 7,65 مليار دولار. وبلغت قيمة الطلبات التي وردت إلى البرنامج منذ إنشائه نحو 8,58 مليار دولار، لتمويل صفقات تجارية قيمتها حوالي 10,7 مليار دولار، كما بلغت خطوط الائتمان المستفيدة 199 وكالة في 19 دولة عربية و5 بلدان أجنبية، بحسب تقرير صندوق النقد العربي للعام 2010. برنامج التمويل وأشار المناعي إلى أن الصندوق أنشأ برنامج تمويل التجارة العربية البينية في عام 1989 كمؤسسة مالية عربية مشتركة متخصصة، في تنمية التجارة العربية وتعزيز القدرة التنافسية للمصدر العربي، من خلال توفير جانب من التمويل اللازم لهذه التجارة والمتعاملين فيها وتوفير المعلومات حول أنشطة هذه التجارة والترويج للبضائع والسلع العربية. وترتكز آلية البرنامج على التعامل مع المصدرين والمستوردين في الدول العربية من خلال وكالات وطنية تعينها الدول العربية لذلك الغرض. ويعتمد الصندوق في توظيف موارده المالية سياسة تجنب مخاطر العملات بالالتزام توزيع موجوداته بالعملات توزيعاً قريباً من تكوين سلة وحدة حقوق السحب الخاصة. وتعقد جميع عمليات الإقراض للدول الأعضاء بالدينار العربي الحسابي، ويتم تضمين حصة الصندوق في عمليات برنامج تمويل التجارة العربية التي تعقد بالدولار الأميركي كجزء من الشريحة الدولارية لمحفظة العملات، فيما توظف الموارد الأخرى في عملات قابلة للتحويل مترافقة بعقود آجلة وبما يتوافق مع توزيع العملات المكونة لوحدة حقوق السحب الخاصة. كما يقوم البرنامج بتنظيم وتنفيذ لقاءات للمصدرين والمستوردين العاملين في قطاعات محددة في إطار نشاطه لترويج التجارة العربية البينية. ولقد نظم البرنامج بالتعاون مع جهات متعددة في الدول العربية، سبعة عشر لقاءً للمصدرين والمستوردين العرب لقطاعات النسيج والملابس الجاهزة، الصناعات الغذائية، المنتجات الزراعية ومستلزماتها، الصناعات المعدنية، الصناعات الدوائية والبتروكيماوية والأثاث والبناء والتشييد.