يعاني الكثير من الآباء والأمهات من كذب أطفالهم في مراحل مبكرة جداً من أعمارهم، ويقفون حائرين أمام هذا السلوك غير اللائق. لكن هناك العديد من الحقائق التي يغفلها الأهل عندما يتعرضون لهذا الموقف، أهمها أن ما نراه كذباً هو في الحقيقة ليس كذلك، بالإضافة إلى ضرورة التفريق بين الكذب المرضي ولهو الأطفال. وتشير إحدى الدراسات، التي أجريت في كندا مؤخراً على نحو 1200 طفل، ممن تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاماً، إلى أن القادرين على اختلاق الكذب بلغوا مراحل متقدمة في نموهم. وتوصل علماء النفس إلى أن الأطفال الذين يفترون الكذب في وقت مبكر قد ينجحون في حياتهم لاحقاً، مؤكدين أن النشاط المعقد للدماغ أثناء الاختلاق مؤشر على ذكاء مبكر. وترصد مريم حسين، معانتها مع طفليها الصغار اللذين تتراوح أعمارهم بين 3 سنوات و7 سنوات، حيث لا تستطيع التفريق في أحاديثهم بين الكذب والحقيقة، خاصة فيما يتعلق بحديثهم عن كيفية قضاء يومهم في الحضانة أو المدرسة وما يختلقه الصغار من قصص غير حقيقة. لكنها تحاول ألا تبدي اهتماماً أكثر بالموضوع لانها ترى أن كل الأطفال في مثل عمر أبنيها يمارسون نفس الأفعال، لذا فهي غير قلقة من سلوكهما. أما سهيلة، فتؤكد أن طفلتها التي تبلغ 6 سنوات لا تكف عن اختلاق القصص الخيالية كمغامراتها مع بعض الشخصيات الكرتونية. لكنها تشير في الوقت نفسه إلى أنها قرأت أكثر من مرة أن هذا السلوك لا يندرج تحت مفهوم الكذب كما يعنيه الكبار، بل هو مجرد خيال واسع لطفل له عالمه الخاص، وطالما لم يخرج عن حدوده الطبيعية، فهي تعتبر هذا الكذب من وجهة نظرها كذباً صحياً. وتعترف فاتن نور الدين أنها قد تلجأ في بعض الأحيان لمعاقبة طفلها، الذي يبلغ 10 سنوات، بسبب كذبه المبالغ والذي يؤثر على تواصله مع غيره من أقرانه -كما أخبرتها المدرسة المسؤولة عنه- إلى الحد الذي وصل به إلى الافتراء على زملائه، ونسج قصص غير حقيقة عنهم. وتؤكد فاتن أنها لجأت إلى الضرب أحياناً لزجره عن هذا السلوك المشين، خاصة وأن أخواته الأربع الأكبر منه، لم يمارسن في طفولتهن هذه الممارسات. وتشير إلى أنها لم تذهب بطفلها إلى طبيب نفسي حتى لا تكبر المشكلة التي ترى أنها بدأت في التضاؤل الآن بشكل تدريجي. وقالت ماجدة عزام: "أشعر أننا ربما نكون سبباً في كذب أطفالنا لأننا ربما لا نكون القدوة الحسنة المطلوبة". وتؤكد أن كذب أحد الأبوين أمام أبنائه قد يدفعهم لممارسة نفس السلوك، ومن ثم فإن العقاب هنا من وجهة نظرها سيأتي بنتائج عكسية لأنه علينا البدء بأنفسنا أولاً. وتشير د. عزة مطر، أستاذ أصول التربية بجامعة الأزهر، إلى أنه يجب على الأهل أن يفرقوا أولاً بين الكذب بمعناه الحقيقي وبين الخيال الواسع للطفل الذي يشير إلى تسارع النمو العقلي والنفسي للطفل، وهو الكذب في المرحلة العمرية بين 3 و5 سنوات. وتؤكد مطر أن النوع الأخير من الكذب، قد يكون ضرورة في السنوات الأولى من حياة الطفل لذا لا يجب الانزعاج منه على الإطلاق، لكن استمرار الكذب إلى ما بعد سن الخامسة بشكل مستمر ومبالغ فيه، قد يدفعنا إلى عمل وقفة جادة مع أسباب هذا السلوك التي ربما تكون بسيطة، لكن إغفالها يؤدي إلى الكثير من المشكلات النفسية بالنسبة للطفل. وعن أنواع الكذب لدى الصغار، تشير مطر إلى أن هناك كذبا بهدف الهروب من العقوبة أو تعنيف أحد الوالدين لطفلهما، بسبب ارتكابه خطأ ما وهو ما يدفع الطفل لاختلاق القصص بقصد الهروب. أو شعور الطفل بنقص ما ويحاول تعويضه عن طريق شد انتباه أسرته إليه عبر اختلاق الروايات، وهو ما يجب الانتباه إليه. أما النوع الثالث فقد يكون الكذب ما هو إلا محاكاة لسلوك أحد الأبوين الذي يمارس الكذب أمام طفله مثل التهرب من الرد على الهاتف وادعاء أنه ليس موجوداً وهو ما نطلق عليه القدوة السلبية، لذا يجب على الآباء الانتباه إلى سلوكياتهم لأن فاقد الشيء لا يعطيه. وترفض مطر الإيذاء الجسدي كوسيلة للحد من الكذب لدى الأطفال، والذي عادة ما يأتي بنتيجة سلبية لدى معظمهم، مشيرة إلى أن سرد بعض القصص عن عقاب الكاذبين، قد تأتى بنتائج طيبة أكثر أو الحديث بهدوء عن تلك العادة المذمومة مع الطفل ما بعد 6 سنوات، حيث يكون أكثر إدراكاً، وامتداح الطفل عدما يكف عن الكذب ومكافأته حال سرد قصة حقيقية دون تفاصيل أكثر من خياله يأتي بنتائج طيبة، حيث يحب الصغير أن يشعر دائماً أنه مدلل، ومحط إعجاب وثناء من والديه. لكن في حالة استمرار الطفل على خلق الحكايات بشكل مبالغ فيه، قد يجعل الأهل يلجؤون إلى طبيب متخصص لمساعدتهم وتقديم النصح والإرشاد لهم، لكن ذلك قد يكون خياراً أخيراً، حيث إن معظم كذب الصغار ليس بالمرضي.