الآن وقد أصبحت الصفقة الإيرانية النووية حقيقة واقعة تقريباً، يتفق خامنئي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على شيء واحد في الواقع. فقد أوضحا أنهما لا يريدان أي اتفاقات أخرى بين الولايات المتحدة وإيران. ويرى المتشددون الإيرانيون والإسرائيليون أن الصفقة النووية اتفاق لا يتكرر ولا يغير البناء الأساسي للوضع الإقليمي بين إيران ووكلائها الشيعة في جانب والولايات المتحدة وتحالفها مع إسرائيل والمملكة العربية السعودية في الجانب الآخر. لكن المعتدلين في الولايات المتحدة وإيران وربما حتى في إسرائيل يرون الأمور بشكل مختلف. وكثيرون منهم ينظرون إلى مجالات واسعة لتداخل المصالح الإيرانية الأميركية، وأبرزها إلحاق الهزيمة بـ «داعش» وحل مشكلة الكارثة الإنسانية والسياسية في سوريا. وإذا عملت الولايات المتحدة وإيران معاً في هذه المشكلات، فقد تتعزز وتتعمق الاتصالات التي صنعها مسار المفاوضات النووية. والحجة قوية في أن الصفقة النووية تمثل اتفاقاً فريداً ومنفصلاً لا يغير الحقائق الأساسية للمواجهة الإيرانية الأميركية. فعندما أعلن خامنئي الأسبوع الماضي أن إسرائيل لن تكون موجودة بعد 25 عاماً، استهدف بذلك إرضاء المتشددين واستبعاد فكرة تخفيف إيران حدة موقفها تجاه إسرائيل بعد إبرام الاتفاق مع الولايات المتحدة من الأذهان في العالم الإسلامي. وفي التصريحات الصحفية نفسها، استبعد خامنئي العمل مع أميركا لحل المشكلة السورية وأراد بذلك الوقوف في صف المتشددين الإيرانيين. وما دامت إيران تتخذ موقفاً رافضاً أو تدميرياً تجاه إسرائيل وترفض التعاون في حل أزمة سوريا، فمن غير المرجح أن تتعزز العلاقات الأميركية الإيرانية. لكن قد يكون من المستساغ أن يجادل المعتدلون بأن خامنئي لا يقصد بتصريحه إلا إرضاء كتلته اليمينية. ويتفق معظم المراقبين على أنه بعد الاتفاق الإيراني فمن غير المرجح أن تمارس إدارة أوباما ضغطاً قوياً على إسرائيل للتفاوض مع الفلسطينيين، ليس لأنهم لا يريدون بل لأن العلاقات مع إسرائيل وأنصارها اهترأت كثيراً بالفعل بسبب الاتفاق النووي. وربما يفعل خامنئي شيئاً مشابهاً، وتحديداً إصلاح العلاقات المهترئة مع الإيرانيين الأكثر تشدداً الذين يعتقدون أنه خانهم بالتضحية بالطموحات النووية لصالح الشيطان الأكبر. وإذا صح هذا، فإن التعاون سيتضح مع مرور الوقت. ففي العراق، تتعاون إيران والولايات المتحدة، وإنْ يكون تعاوناً حرجاً، في قتال «داعش»، وتقدم هذا التعاون سيكون مؤشراً جيداً مبكراً على إذا ما كانت إيران والولايات المتحدة ستتفقان على أن تختلفا في الأيدولوجيا، بينما تتعاونان بشأن مصلحة مشتركة. والمعتدلون في إيران والولايات المتحدة سيشد من أزرهم نزول هزيمة بـ «داعش»، وحينها يستطيعون الجدل بأن إيران والولايات المتحدة قادرتان على تحقيق فارق مهم في إعادة الاستقرار. والحاجة الملحة فعلاً للاستقرار موجودة بالفعل في سوريا. وتشير بعض التقديرات إلى أن نصف سكان سوريا تقريباً شردتهم الحرب الأهلية، ما يعني أن 12 مليوناً تقريباً في حالة نزوح. وهذه ليست مشكلة لأوروبا، بل مشكلة كبيرة لاستقرار لبنان والأردن. وهذه أنباء سيئة ومكلفة لتركيا التي ليس لديها مخاوف الاستقرار نفسها، لكنها تخشى ظهور كيان كردي إقليمي يهدد باتصال كردستان العراق بكردستان سوريا. وللولايات المتحدة وإيران مصالح مشتركة في إعادة الاستقرار في سوريا. وإنهاء الأزمة قد يتطلب التخلص من الرئيس بشار الأسد أو تركه في السلطة ليحكم كانتوناً سورياً للعلويين. ورغم أن الاختلاف الأيدولوجي اليوم يجعل من الصعب تخيل هذا، لكن لا يوجد سبب استراتيجي يمنع إيران والولايات المتحدة من التحالف. وإذا حدث هذا، وعدم حدوثه غير مرجح كثيراً، فإن تركة أوباما الإقليمية ستتضمن تغيير مسار العداوة الأميركية الإيرانية القائمة منذ 35 عاماً، وإعادة رسم الخريطة الاستراتيجية للشرق الأوسط. نوح فيلدمان* * أستاذ القانون الدستوري والدولي في جامعة هارفارد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»