في سياق مقاربات للأعمال الروائية الجديدة التي أثارت نقاشاً ثقافياً بين المهتمين والقراء بالمغرب، وبمناسبة الاحتفال بمرور 20 سنة على تأسيس مختبر السرديات، نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء لقاءً ثقافياً في موضوع: “المجتمع بوصفـه تفكيراً بالتخـييل”، وخصص لقراءات في روايتين مغربيتين: “ملائكة السراب” لموليم العروسي، و”الحركة”، لعبد الإله بلقزيز. وتوزعت أشغال هذه اللقاء على مستويين، الأول خصص لتقديم محاضرات للباحثين المشاركين في الندوة وهم عبد المجيد قدوري، وحسن إغلان، والميلود عثماني، وإبراهيم أزوغ من المغرب ومن الجزائر شارك كواري مبروك، وبوشيبة بركة، وتطرقت جميع المحاضرات إلى الروايتين موضوع اللقاء. وكان المستوى الثاني عبارة عن جلسة مفتوحة بين عبد الإله بلقزيز، وموليم لعروسي وجها لوجه. ركز الناقد عبد المجيد قدوري في مداخلته تحت عنوان “البطل الغائب في رواية ملائكة السراب”، على البناء الفني لرواية موليم العروسي، والذي يعطي للكتابة مسارها، مشيراً إلى استغلاله لشخصية الحسن الوزان كمدخل لعصر النهضة، وإلى تغييبه للبطل، حيث تكـشف اللوحات الخمس الأولى عن حضور السلطة كـبطل، ويستمر هذا التواري إلى حدود اللوحة التاسعة عبر تغييب شخصية لعروسي ـ الذي حضر بطلاً ـ لشخصية البودالي. واعتبر قدوري أن “ملائكة السراب” رواية متشعـبة الموضوع، لأنها تناولت كل المواضيع السياسية والثقافية والاقتصادية،.. وكل الآهات والمشاكل التي يعاني منها المجتمع المغربي، كما أنها امتدت في أمكـنة متعددة المغرب، إفريقيا الشرقية، السودان، جزر الكناري، أوروبا، الأندلس،... وأزمنة غير موحـدة تمتد من التاريخ القديم إلى مشكل فلسطين. وخلص عبد المجيد قدوري أن رواية العروسي، هي رواية تأملات تزعج القارئ، وتستبد به، كما أنها نقد للمجتمعات المبنية على الكرامات البدائية. وقدم الباحث عثماني الميلود في مداخلته التي جاءت تحت عنوان: “التخييل التاريخي ورهانات الرواية المغربية ما بعد حداثية ملائكة السراب لموليم لعروسي نموذجاً”، جملة من العلائق الحكائية والنظرية، انصبت على رصد مواد العالم التخييلي في الرواية متمثلة في اتخاذ تاريخ المغرب خلال القرنين 17 و18 خلفية للسرد والتأمل من خلال جملة مسارات متوازية عدها الباحث في سبع مسارات جعلت من هذه الرواية أذرعاً أخطبوطية، أو مثالاً لما هي عليه خريطة العقل، عقل السارد. كما رصد الباحث تمظهرات صياغة العالم التخييلي، وأوجزها في هيمنة الحكي بدل السرد وغياب مركزية حدثية، وغياب للبطولة في تخييل تاريخي يتميز بالتجزيء والتشظي. وختم المتدخل بالتأكيد على أنه وراء رواية موليم العروسي همًّا وطنياً يتمثل في الإجابة عن سؤال: ما العمل وقد أصيبت كل أعمالنا بالفشل والإحباط؟ معتبراً أن التخييل التاريخي في رواية “ملائكة السراب”  ينفتح على  أكثر العوالم الإنسانية الدفينة في العلاقة بين الأشخاص والديانات والثقافات. قال الناقد حسن إغلان في مداخلته “تمزقات الوهم في رواية الحركة”: إن رواية “ملائكة السراب تكشف عن الزيف والمفارقات في زمن تتمزق فيه الذوات بالوهم، عبر رسم شبكة من العلاقات الاجتماعية والسياسية المختلة، تبدو معها الشخصيات الممزقة وكأنها مرسومة في جذاذات، لكن في الآن نفسه تختفي وراء مرايا مختلفة في الرواية، حيث يوهمنا الناشر ومن الصفحة ما قبل الأولى بعدم صدقيتها، كما أن الرواية تستعير مسميات تخفي وراءها العديد من المدلولات”. واعتبر الناقد إبراهيم أزوغ في مداخلة بعنوان “الحركة رواية التغيير الذي لم يكـتمل”، أنه لا يمكن قراءة الرواية بمنأى عن مقالات بلقزيز الصحفية، ورواياته الأولى، وأطروحته السياسية، ويضيف: “لعل هذا ما جنح بالرواية بعيداً عن التجريب، والدنو من البناء التقليدي، والسرد اليومي، حيث الهاجس المسيطر هو الموضوع أكثر من الشكل الفني، والذي اتسم بتعدد السراد والرواة واللغات، وحضور الباروديا والسخرية”. وانتهى الباحث إلى أن الرواية تتضمن أطروحة سياسية تبلورت في عدة تصورات ومسارات. واعتبر الناقد الجزائري كواري مبروك في مداخلته “ملائـكـة السراب وتـيمة “الخـنوع” أن رواية موليم لعروسي مغامرة تاريخية ومسح كاليغرافي منذ سقوط الأندلس، ودخول الأوربيين، إلى اليوم، وأضاف: “إنها نص فاتن، بلغة مضمرة، وهاربة، مشبعة بالتكتل الدلالي، عبر اعتماد البعد الأسطوري العجائبي، والرؤية الفلسفية الصوفية للواقع، مما يسهم في انكشاف تيمة الخنوع كتيمة مركزية، حيث ترسل الرواية عدة رسائل للمتلقي، منها: تبيان علاقة الحكام بالمحكومين، وتبرير علاقة الفشل الذي سيطر على عقول الحكام الفلاسفة، وتقديس الحكام”. وكشف الباحث العديد من التقاطعات بين رواية موليم العروسي ورواية “ليون الإفريقي” لأمين معلوف، ورواية “الأمير” لواسيني الأعرج، من حيث اللغة الشذرية، والكثافة الدلالية، والبراعة في الوصف وأسر المتلقي. اعتبر بوشيبة بركة في محاضرة بعنوان “ملائكة السراب كشف للخنوع والاستبداد والتسلط” أن ملائكة السراب أثارت الكثير من النقاشات ومكنت من استحضار الواقع من خلال ماضي الغرب الإسلامي، وكشف المظاهر الآنية للتسلط والاستبداد التي يشكو منها العالم العربي، وذلك بواسطة الكتابة المتناسلة التي تحيل على طريقة الحكي في ألف ليلة وليلة. وبعد انتهاء المحاضرات فتح باب النقاش لمساءلة الروائيين، حول علاقة الرواية بالواقع؟ وهل الرواية توثق التاريخ؟ واعتبر عبد الإله بلقزيز صاحب رواية “الحركة” أن العمل الأدبي نتاج لواقعه، وأن روايته تتناول لحظة خروج جيل من العالم الافتراضي حاملاً قدراً خرافياً من الآمال قد ينوء بحملها، فجاءت الرواية لترصد كيف عاش هذا المجتمع الشبابي، وتفاعلاته مع المتغيرات في الواقع العربي، والشروخ والإحباطات ومقاربتها.