أكدت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي، أن دمشق استكملت أمس، تسليم لائحة كاملة بترسانتها الكيماوية في اليوم ذاته الذي انتهت فيه المهلة التي حددها اتفاق جنيف بين الأميركيين والروس والرامي إلى تفكيك هذه الأسلحة المحظورة، وذلك غداة إيداع قائمة غير متكاملة أمس الأول. في الأثناء، ألمح سيرجي ايفانوف مدير إدارة الرئاسة الروسية في الكرملين أمس، إلى أن بلاده يمكن أن تتخلى عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد إذا علمت أنه «غير ملتزم بتسليم السيطرة على الترسانة الكيماوية»، مشيراً إلى أن تغيير موقف موسكو يمكن أن يصل إلى «الفصل السابع» من ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح استخدام القوة، لكنه شدد على أن ذلك مجرد ««أمر نظري وافتراضي» في الوقت الراهن. كما جدد ايفانوف رفض موسكو لأي تدخل عسكري ضد نظام الأسد، معتبراً أن أي ضربة ستساعد المتشددين المرتبطين بـ«القاعدة» في سوريا وستتسبب في فقد المعارضة «الممانعة أصلاً لعقد مؤتمر جنيف- 2 للسلام»، لأي اهتمام بخيار المفاوضات، مشيراً إلى أن «المدة والتكلفة والتكنولوجيا المطلوبة لتدمير السلاح الكيماوي السوري قد تتضح بشكل نهائي بعد شهرين أو ثلاثة». من ناحيتها، طالبت بكين على لسان وزير خارجيتها وانج يي، بتطبيق سريع للاتفاق الأميركي الروسي بشأن تدمير الأسلحة الكيماوية السورية، معربة عن أملها في التوصل إلى حل سياسي للأزمة المتفاقمة منذ نحو 30 شهراً من خلال تنظيم مؤتمر «جنيف- 2» بأسرع وقت، بحيث يتركز على إنهاء النزاع. ووسط مداولات شاقة بين الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي بشأن الاتفاق على نص لقرار دولي يطلق عملية تسلم وتدمير الأسلحة الكيماوية السورية، أعلن نائب الأمين العام للجامعة العربية السفير أحمد بن حلي قبيل توجهه إلى نيويورك أمس، أن وزراء الخارجية العرب سيعقدون اجتماعاً غداً الاثنين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة للتنسيق والتباحث بشأن القضايا العربية المطروحة على الاجتماعات، وعلى رأسها الأزمة السورية وعملية السلام. وقال ايفانوف بحسب ما نقلت وسائل الإعلام الروسية خلال مؤتمر في ستوكهولم، نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية «ما أقوله في الوقت الراهن هو أمر نظري وافتراضي، لكن إذا تيقنا يوماً من أن الأسد يخادع، فقد نغير موقفنا». وأضاف في وقت لاحق في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء السويدية، أنه إذا تبين دون أدنى شك أن أحد الأطراف السورية كذب عبر نفيه استخدام أسلحة كيماوية، فإن «ذلك يمكن أن يجعلنا نغير موقفنا ونستند إلى الفصل السابع. لكن كل هذا شيء نظري، حتى الآن لا توجد أدلة» على ذلك. وفي مداخلته أمام المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أكد ايفانوف مجدداً معارضة روسيا لأي تدخل عسكري في سوريا التي تشهد نزاعاً منذ 30 شهراً. واعتبر المسؤول الروسي الرفيع أن مكان الأسلحة الكيماوية السورية سيعلن خلال أسبوع، مشدداً في الوقت نفسه على أن الجيش النظامي السوري لا يسيطر على كامل أراضي البلاد. وقال ايفانوف «ينبغي أن نعرف أن الأسد لا يسيطر على كل الأراضي السورية. لا نعرف بعد أين يوجد كل احتياط الأسلحة الكيماوية جغرافياً. اعتقد أن ذلك سيتضح خلال أسبوع». وفي مقابلة أجريت معه الأربعاء الماضي وبثها التلفزيون الروسي أمس، قدم ايفانوف تفسيرات لوجود كتابات بالأبجدية الروسية على قطع قذائف أدرجت صور عنها في تقرير محققي الأمم المتحدة الذين أجروا تحقيقاً حول الهجوم الكيماوي بريف دمشق في 21 أغسطس المنصرم. وأوضح «في تلك الفترة، كنا نسلم أسلحة سوفيتية إلى عشرات الدول»، مشيراً إلى أنه يمكن إيجاد هذه الصواريخ في أي مكان من العالم، خاصة ليبيا. وفي وقت سابق أمس السبت الذي حدده الاتفاق الروسي الأميركي في 14 سبتمبر الحالي، لتسليم دمشق جردة كاملة بأسلحتها الكيماوية، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن سوريا سلمت اللائحة المنتظرة حول ترسانتها الكيماوية. وقالت المنظمة التي يوجد مقرها في لاهاي في رسالة بالبريد الإلكتروني «منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية، تؤكد أنها تسلمت القوائم المرتقبة من الحكومة السورية بخصوص برنامجها للأسلحة الكيماوية». وأضافت أن «الأمانة الفنية للمنظمة تقوم حالياً بدرس المعلومات التي تم تلقيها». وأمس الأول، أعلنت المنظمة نفسها أنها تسلمت لائحة سورية غير مكتملة بالأسلحة الكيماوية، وأرجأت اجتماع مجلسها التنفيذي الذي كان مقرراً عقده اليوم للبحث في تفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية، والنظر في طلب دمشق الانضمام لعضويتها. وينص اتفاق جنيف الذي توصل إليه وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري ونظيره الروسي سيرجي لافروف في 14 الجاري، وأدى إلى تجنيب سوريا ضربة عسكرية كانت تهدد بها واشنطن رداً على الهجوم الكيماوي بريف دمشق، على أن تسلم دمشق خلال مهلة أسبوع جرداً كاملاً بترسانتها التي سيتم التخلص منها بحلول منتصف 2014. ويحاول دبلوماسيون في الأمم المتحدة إعداد مشروع قرار يضمن التزام سوريا بالاتفاق لكنهم بحاجة أولاً للوثيقة التي تحدد ما وصفه كيري «بقواعد وأسس» تفكيك الأسلحة التي ستوافق عليها منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وإثر اتفاق جنيف، طلبت سوريا الانضمام إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية. ويقوم خبراء المنظمة الآن بتحليل الجرد الكامل الذي قدمته دمشق من أجل تحديد جدول زمني واقعي لإتلاف المواد الكيماوية وأنظمة التسليم ومنشآت الإنتاج. وبموجب الاتفاق بين واشنطن وموسكو، يجب أن ينجز مفتشو منظمة حظر الأسلحة عمليات التفتيش في مواقع أسلحة سورية وتدمير معدات الإنتاج والتعبئة بحلول نوفمبر المقبل. وعارضت روسيا، الحليف الوفي لنظام دمشق، باستمرار استخدام القوة ضد النظام السوري. وتتهم مقاتلي المعارضة بالوقوف وراء الهجوم الكيماوي بالغوطة الدمشقية، في 21 أغسطس المنصرم. والخميس، اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موقف سوريا منذ الإعلان عن الاتفاق الروسي الأميركي «يوحي بالثقة»، مقراً في الوقت نفسه بأنه لا يمكنه أن يؤكد «100%» أن النظام سيطبق حتى النهاية خطة تفكيك ترسانته الكيماوية. وأمس، جدد ايفانوف معارضة روسيا المستمرة منذ فترة طويلة، لتدخل عسكري غربي في سوريا قائلاً إن مثل هذا التصرف سيساعد فقط متشددين لهم صلة بتنظيم «القاعدة». وقال ايفانوف في تصريحات نقلتها وسائل إعلام روسية في مؤتمر ستوكهولم «في حالة تدخل عسكري خارجي ضد نظام الأسد، فإن المعارضة... ستفقد تماماً الاهتمام بالمفاوضات» التي تجري محاولات لعقدها في إطار «جنيف-2» الشهر المقبل. وأكد قناعته بأن تتخلى المعارضة السورية تماماً عن الجلوس إلى طاولة المفاوضات في حال توجيه ضربة خارجية إلى سوريا، قائلاً «ستفقد المعارضة التي تمانع الآن في عقد مؤتمر للسلام، أي اهتمام بإجراء المفاوضات في حال وقوع تدخل أجنبي لأنها ستعتبر أن الولايات المتحدة ستقصف النظام كما هو الحال في ليبيا وستفتح بذلك لها طريقاً سهلاً للنصر». واستطرد إيفانوف قائلاً «التصريحات المتعلقة بتوجيه ضربات بالصواريخ المجنحة، لن تساعد في تسريع العملية السلمية وغير جدية وتخلو من المسؤولية»، داعياً إلى إجراء تحقيق دقيق وموضوعي في حالات استخدام الكيماوي في سوريا. وقال إن هيئة الأمم المتحدة هي التي تحدد الجهة المذنبة. وأضاف «نظراً لافتراضنا بأن الحديث يدور حول استفزاز واسع النطاق، فإن من الصعب جداً إثبات الحقيقة. ويتعين على المفتشين الأمميين العودة إلى سوريا بأسرع وقت ومواصلة عملهم على التحقيق في حالات أخرى لاستخدام السلاح الكيماوي، بما في ذلك في بلدة خان عسل بريف حلب. وقال إيفانوف إن المدة والتكلفة والتكنولوجيا المطلوبة لتدمير السلاح الكيماوي السوري قد تتضح بشكل نهائي بعد شهرين أو ثلاثة. ومن المقرر أن يبحث لافروف وكيري والمبعوث المشترك الأخضر الإبراهيمي الأزمة السورية على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة.