تَوَقفْتُ مُؤخّراً أمام مبادرة تستحقُّ الإشادة والتَّقدير، قامت بها القيادة العامّة لشرطة أبوظبي حينما بادرت باتِّخاذ إجْراءاتها مع أحد السائقينَ الذي كان يقودُ سيارته بتهوّر وبصورة غير مسؤولة في إحدى الدول الأوربية، مما لا يليق بسمعة دولة الإمارات ومكانتها الاستثنائية قيادةً وشعباً ونهجاً. ورغم أنّ هذا السلوك غير المحمود هو تصرف فردي محدود ولا يمثّل ظاهرة تدعو إلى القَلَق، فإن حرص مدير عام العمليات المركزيَّة بشرطة أبوظبي على رصد هذا السلوك وتحديد هُويَّة السائق المخالف ثم اتخاذ إجراءات بحقِّه، تعكس مدى الفَهْم العميق للقادة ومشاركتِهم الفاعلة، وحثّهم المواطنين على السَّعي نحو تحقيق رؤية الإمارات في أن تكون واحدة من أفضل دول العالم بحلول (2021)، ويقينهم بأن تلك الرُّؤية ليست فحسب طموحٌ منشودٌ وأملٌ معقود، ولكنّه واقعٌ عمليٌّ ملموس يجب أن تُترجمه ممارسات وأفعال شركاءَ الوطنِ. كما أنّ هذا الإجراء له دلالاتُه التي لا تخطئها عَيْن في أن قادة الوطن أينما كانت مواقعهم الوظيفية في دولة الرّيادة لا تقتصر مهامهم على التّخْطيط والتّنفيذ والمتابعة والتطوير والتّمكين والإبداع والابتكار ضمن منظومة التّميز الحكومي داخل الدّولة، ولكنهم في الوقت نفسه شركاءَ فاعلون يسعون بروح المسؤولية وبقيم الأمانة والنزاهة للحفاظ على تلك المكانة المتميّزة التي حققتها الدولة. والمتأمِّل لهذه المُبادرة يمكن أن يَسْتَدعِي ثلَاثة شَواهدَ جديرة بأن نتوقف عندها ونتشاركها جميعاً: أولاً: في تقرير الكتاب السنوي للتّنافسيّة العالميّة 2015 الصَّادر عن المعهد الدوليّ للتنمية الإداريّة مؤخراً، حققت الدولة مراكز متقدّمة في عدَّة مجالات، فلم يتوقّف تميّز الدولة داخلياً بحصولها على المرتبة الأولى عالمياً في (الكفاءة الحكوميّة)، بل وحققت أيضاً المرتبة الثانية في (صورة الدولة وسمعتها في الخارج). أما في تقرير العام 2013-2014 فقد أحرزت الدولة مراتبَ تنافسيَة متميّزة تمثّلت في تحقيقها للمرتبة الثانية عالمياً في (القيم والسلوكيات)، والمرتبة الثالثة في (الثقافة الوطنيّة)، وهي مكتسبات يتوجّب على الجميع الحفاظ عليها والسّعي الحثيث لتتصدر الإمارات دوماً المراكز الأولى، وبالتالي الوقوف بالمرصاد لأيّة مخالفات قد تؤثر على هذه المكانة داخلياً أو خارجياً حتى لو كانت فرديّة ومحدودة. ثانياً: في إطار السّعي لحماية تلك الإنجازات والمراتب المتقدمة، وتعزيز هذه التنافسية يتعين إيجاد آليّة تحفيزيّة من خلال تخصيص فِئات من جوائِز التميّز الاتحادية والمحليّة بالدولة لدَعم مؤَشِرَي (صورة الدولة وسمعتها في الخارج) ومؤشر (القيم والسلوكيّات)، بحيث يتم مَنْح هذه الجوائز دورياً للفئات التي تمثل الدولة في الخارج، سواءً في مجموعات أو بصورة فرديّة ليكونوا سُفراء للوطنِ، وتحفيزهم على المزيد من المبادرات والممارسات الإبداعية التي تُرسّخ صورة الدولة وسمعتها المتميزة خارجياً، وبالتالي دعم مراتب التنافسيّة بصورة مستدامة في هذين المؤشرين الهامين. ثالثاً: ضمن مَنْظومة الإجراءات الاحترازية والوقائيّة والرؤية الاستباقية، فإننا نقدر الجهود المتميزة لوزارة الخارجية ونشراتها الدائمة والدورية عبر كافة طرق التواصل المختلفة، وخصوصاً (البوابة الإلكترونية لبعثات الدولة في الخارج) التي تنشر من خلالها نصائح وإرشادات لمواطنيها في الخارج، إضافة إلى سعيها لترسيخ الوعي المجتمعي بين كافة المواطنين والمواطنات وشركائها الاستراتيجيين من خلال إطلاق خدمة «تواجدي» التي يسجل من خلالها المواطن الإماراتي جدول سفره إلى الخارج كي تتمكن الوزارة من الاتصال به في الحالات الطارئة، ومنذ إطلاق «تواجدي» في العام 2009 سجل نحو 138 ألف مواطن في الخدمة، وهو أمر يجب الإشادة به لأنه يعكس حرص ومتابعة الوزارة. د.عماد الدين حسين