لا يقتصر دور الرحلات المدرسية التي يتم تنظيمها خارج الأنشطة الصفية على الجانب الترفيهي وحسب، إذ إنها تشكل عاملاً إيجابياً على نفسية الطلبة وتحصيلهم الأكاديمي، ويدخل هذا النوع من الفعاليات غير التقليدية ضمن المنهج السنوي في خطوة متقدمة لإيجاد أجواء محببة مع الأساتذة والهيئة التعليمية، إذ يكون لها دور فاعل في تعزيز هذا التواصل لمزيد من الثقة وحصد أوجه جديدة من الإفادة بعيداً عن الصبورة والكراسات. أكثر ما يفرح الطالب أن يستعد لاستقبال يوم مشمس يعلم فيه أنه ذاهب مع رفاقه ومعلميه في رحلة يستقلون خلالها الباص، وحبذا لو تكون المسافة بعيدة. فهذا الشعور الذي يملأ الأطفال بالنشاط والانتعاش نابع من كونهم تواقين دائماً للتغيير وكسر الروتين بما يدفعهم إلى الانطلاق باتجاه المرح. وبالدخول إلى عمق المسألة من الناحية النفسية، فإن الطلبة عموماً يبحثون عن بيئة مغايرة تجمعهم حيث بإمكانهم التعبير واللعب والضحك بعيداً عن الرقابة وأعين المدير والناظر والمربي. وهذا ما توفره الأنشطة اللاصفية التي ترفع عنها القيود إلى حد ما حيث يتحول المشرفون على الطلبة إلى زملاء لهم، ينعمون بالمواقع الترفيهية نفسها وبالمعارف الجديدة ويتحدثون عن كل شيء إلا الواجبات. قيم الانتظام وعن أهمية الأنشطة اللاصفية، ترى نائب مدير مدارس النهضة للبنين آمال الأناضولي، أنها بشكل أو بآخر تتمم المنهج الأكاديمي الذي يتعدى المعنى الحرفي للكلمة، موضحة أن دور المدرسة لا بد أن يشمل التربية والتأهيل لشخصية الطالب، إذ من غير الكافي الحصول على المعلومات النظرية وعدم تطبيقها على أرض الواقع. وتعتبر أنه من شأن الأنشطة اللامنهجية أن تساعد في تنمية مهارات الطالب من الناحية الاجتماعية. وأن ترشده إلى كيفية بلوغ القدرة على التصرف واحترام الآخر والنظر إلى الأمور من زوايا عدة. وتورد أنه من الضروري أن تكون الرحلات المدرسية موجهة، بمعنى ألا تهدف إلى الترفيه الجسدي وحسب. وإنما تعمل على تحقيق مجموعة مكاسب للطالب، أهمها الاستفادة من خصوصية المكان الذي تتم زيارته. كالاطلاع على تفاصيل مهنة ما، أو المشاركة في صنع مهارة معينة، أو اختبار بعض الإبداعات بشكل حي وعلى أرض الواقع. وتقول نائب مدير مدارس النهضة، إن الأنشطة اللاصفية التي يتم تنظيمها تخدم الطلبة بحسب مراحلهم العمرية. وذلك بما يتناسب مع المنهج الأكاديمي الذي يحتاج كل فترة إلى إيجاد حقول ميدانية لاختباره وهضم معلوماته بأفضل الطرق. وتذكر أن هذا النوع من الرحلات يدرب على قيم الانتظام والعمل الجماعي وأهمية المشاركة وروح الفريق الواحد، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا بهذه الطريقة المرحة. وتشير إلى الرحلات العلمية التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المنهج التربوي حيث تكون أشبه بالبحث العلمي الميداني. والتي غالبا ًما تكون في المصانع والشركات الضخمة وكذلك المصارف وغرفة الصناعة والتجارة وسواها من المراكز المرتبطة بالعلوم الواقعية وليس النظرية وحسب، وتلفت إلى أن الدعم المعنوي الذي يتلقاه الطالب من المدرسة من خلال هذه الأنشطة، يقوي لديه البعد العاطفي، ويكون أكثر تصالحاً مع نفسه ومع المحيطين به؛ لأنه يشعر بمساواة فكرية تجمعه مع من حوله. وتضيف آمال الأناضولي إلى تعاون مدارس النهضة مع عدد من المراكز التي تقدم الترفيه التثقيفي للطلبة، بينها مؤسسة إنجاز التي تساعدهم على اختبار مهاراتهم من خلال ورش العمل. وتذكر أن ذلك من شأنه أن يدعم الوعي المهني والتخصصي لديهم، ويجعلهم أكثر قدرة في المستقبل على اتخاذ القرارات بخصوص الحقل الوظيفي. مرح وتغيير من جهته، يذكر الاختصاصي الاجتماعي في مدرسة المستقبل عمر الناجم أن مكتب الخدمة النفسية يعد بشكل دوري مجموعات رحلات وبرامج تثقيفية وترفيهية للطلبة. ويقول إن الأنشطة اللاصفية تشمل كذلك خدمة الجانب العلمي بحسب ما يقترحه الأساتذة استكمالا للمنهج. كأن يتم تنظيم زيارات ميدانية إلى عدد من المختبرات أو الشركات المتخصصة، يكون القصد منها إعطاء المزيد من الشرح المرتبط بمواد معينة. ويقول إنه من الأهمية بمكان أن يتعرف الطلبة إلى مؤسسات المجتمع المحلي والمرافق العامة التي تخفي كل منها قصة وإنجازاً، إذ من المفيد أن يتحقق مشهد التواصل فيما بين الأساتذة والطلبة حول مسألة معينة تشعرهم بالمرح والتغيير وقلب الأدوار. ويوضح أنه خلال الأنشطة الخارجية تتسم الأجواء بالبساطة أكثر من الصف، حيث يكون بمقدور الطالب أن يتحدث إلى أفراد الطاقم التعليمي بسلاسة، وأن يضيف إلى الموقف جانباً من معلوماته الخاصة بلا حرج. وهذا ما لا يمكن حصوله داخل الصف، أو ضمن إطار الفصل الدراسي. ويورد أن أي رحلة علمية يتم تنظيمها لا بد أن تخرج بفائدة ما تعود بالنفع على الطلبة؛ لأن الترفيه من أجل الترفيه ليس دور المدرسة. وإنما أن يكون مرتبطاً بحالة أكاديمية معينة أو حتى تثقيفية من واقع الحياة ومن المواقف اليومية التي تتوجب مواجهتها بثقة ومعرفة. ويذكر أن الأنشطة اللاصفية ترتبط بأحوال الجو، مع الابتعاد قدر الإمكان عن مراكز الألعاب للأطفال، لأنها لا تقدم أي معلومة مفيدة غير المرح الذي من المؤكد أنهم يحصلون عليه برفقة الأهل. ويشير إلى تركيز مدرسة المستقبل على اصطحاب الطلبة مداورة إلى المواقع التراثية المهمة، مثل مسجد الشيخ زايد، القرية التراثية وقري البستكية، حيث العودة إلى الماضي والتعرف إلى أهم مفرداته. مزارع ومصانع وبالانتقال إلى الرحلات الترفيهية التي بات رائجة خارج نطاق المدرسة لا سيما خلال الإجازات الفصلية، ما تقدمه الأندية والمراكز الاجتماعية، وبينها الرابطة الفرنسية في أبوظبي والتي يعمد القائمون عليها إلى تنظيم أجندة أنشطة للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و10 أعوام، وهي تختلف من يوم لآخر بهدف تثقيف الطلبة بدلاً من الجلوس في البيت. وغالباً ما تترافق هذه الفعاليات مع أسابيع الإجازات، حيث تمكن الأهل من اختيار اليوم الذي سيشارك فيه ابنهم، بحسب البرنامج المعتمد. وتتحدث المسؤولة الإعلامية في الرابطة الفرنسية نايلة خليفة، عن الاهتمام المتزايد بهذا النوع من الأنشطة، والتي توفق ما بين البرامج الداخلية، كالرسم والتلوين وقراءة القصص وبين الرحلات التعريفية. إذ ينطلق الباص صباح كل يوم إلى جهة معينة حيث يتوجه الأطفال ومعهم المشرفون لقضاء اليوم في الخارج متنقلين من موقع لآخر. وتذكر أن المراكز التي تتم زيارتها بعد التنسيق مع القائمين عليها، تقدم للأطفال الكثير من المعلومات التي يستمعون إليها للمرة الأولى. وبينها مستشفى الصقور، مزارع التمور والخضار، مصانع الخبز والحلويات، بيت العود وحدائق الحيوانات وسواها. وتلفت إلى أهمية جلسات الشرح المبسط التي يتلقاها الأطفال من المتخصصين في مجالهم. حيث يختبرون بأنفسهم الكثير من المواقف التي من المهم اكتشافها في سنهم، مثل ملامسة الحيوانات، أو الاطلاع على طريقة الزرع والحصاد، وما إلى هنالك من أمور الصناعة. وتوضح أن الطفل يعجبه أن يكون محاطا بالمعلومات التي يشاهدها بعينه مما يسهل عليه مسألة الإدراك من دون أن يشغل مخيلته في أشياء قد لا تكون مفهومة جيداً من قبله.