حسام عبد النبي (دبي) نفى مشاركون في مؤتمر الاستثمار السنوي الثاني عشر للمجموعة المالية هيرميس، أن تؤثر ضريبة القيمة المضافة المزمع بدء تطبيقها خليجياً اعتباراً من عام 2018، سلباً على جاذبية الاستثمار في الدول الخليجية. وقالوا إن فرض تلك الضريبة يعد من الإصلاحات المالية المهمة التي تتخذها الدول الخليجية في حال استمرار تراجع أسعار النفط، مشددين خلال المؤتمر، الذي تستضيفه دبي خلال الفترة من 7 إلى 9 مارس الجاري برعاية سمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم نائب حاكم دبي رئيس مركز دبي المالي العالمي، على أهمية استمرار ربط العملات الخليجية بالدولار. وكانت وزارة المالية في الإمارات قد أكدت أن ضريبة القيمة المضافة سيتم بدء تطبيقها خليجياً على القطاعات المتفق عليها، اعتباراً من عام 2018، مشيرة إلى أنه سيسبق ذلك قيام دول مجلس التعاون الخليجي بتوحيد سياساتها الضريبية. وقدّرت الوزارة قيمة ضريبة القيمة المضافة المتوقع تحصيلها في العام الأول للتطبيق بالنسبة للإمارات بين 10 إلى 12 مليار درهم، لافتة إلى إعفاء قطاعي الصحة والتعليم وقائمة من السلع الغذائية من الضريبة. إصلاحات مهمة وقال سايمون كيتشن رئيس الدراسات الاستراتيجية في قطاع الأبحاث بالمجموعة المالية «هيرميس»، إن فرض ضريبة القيمة المضافة في الخليج، وكذا فرض ضرائب على نوعيات جديدة من السلع مثل الخمور أو السجائر، وتقليص الدعم والاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، يعد من الإصلاحات المهمة للخروج من دائرة ارتباط الأسواق بالنفط، نافياً أن تكون تلك النوعية من الضرائب سبباً في تراجع جاذبية الاستثمار في الدول الخليجية. وأوضح، خلال استعراضه لبحث بعنوان «هل تستطيع اقتصادات الشرق الأوسط الهروب من دائرة صعود وتراجع النفط»، أن ضريبة القيمة المضافة ستكون بنسب منخفضة تقل كثيراً عن الضرائب المفروضة في عدد من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأميركية، كما أنها ستفرض على قطاعات متفق عليها، متسائلاً: هل الأفضل للمستثمرين العمل في بيئة خالية من الضرائب أم العمل في دولة لا تستطيع حكومتها تمويل مشروعات البنية التحتية التي تخدم وتدعم أعمال الشركات. وأكد كيتشن، أن أسواق الأسهم في منطقة الخليج تأثرت سلباً بتراجعات أسعار النفط، ما جعل بعض الدول الخليجية تبيع بعض الأصول المالية الأجنبية لتمويل عجز الموازنة؛ وبهدف الاستمرار في الإنفاق الحكومي، والحفاظ على مستوياته المعتدلة الحالية، منوهاً بأن التذبذب الحادث في الأسواق العالمية لا يشمل النفط فقط، لكنه امتد لأسواق الأسهم والسلع والعملات أيضاً. وأشار إلى أن الدول الخليجية يمكنها اللجوء إلى الصناديق السيادية للحصول على إيرادات بديلة للعوائد النفطية المتراجعة، مطالباً الحكومات بمحاولة فك الربط بين إيراداتها الرئيسة من جانب والنفط من جانب آخر بما يعني تنويع مصادر دخلها. وذكر كيتشن، أن أسعار النفط ربما تتعافى في بداية العام القادم، إلا أنها ستحتاج إلى فترة طويلة حتى تعود إلى سعر 60 و70 دولاراً للبرميل، وذلك نظراً لأن بعض الدول المنتجة تفضل تخفيض السعر حتى تستحوذ على حصة أكبر من السوق العالمية، داعياً الشركات التي تعتمد على الإنفاق الحكومي كمصدر رئيس للأعمال التي ستواجه صعوبات إلى التكيف مع الظروف المتغيرة وأن تكون قادرة على تقليل التكاليف. وشدد كيتشن، على نجاح التنويع الاقتصادي في الإمارات ما جعل القطاع المصرفي في الإمارات قوياً والعقارات أداؤها أفضل في العام الماضي، علاوة على عدم ارتباطها القوي بالأسواق العالمية. خطوات استباقية ومن جهته، قال كريم عوض الرئيس التنفيذي للمجموعة المالية هيرميس، إن المؤتمر يشهد حضور قوي لأكثر من 450 مستثمراً من 221 مؤسسة مالية تتجاوز أصولها الاستثمارية 10 تريليونات دولار وممثلي الإدارة التنفيذية في 117 شركة مدرجة ببورصات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 14 دولة، منها 32 شركة مصرية تشارك في المؤتمر الذي يشهد إقبالاً كبيراً هذا العام للبحث عن إجابات لآثر التقلبات التي تحدث في الأسواق، خاصة النفط على أداء الاقتصادات والشركات الخليجية والعربية. وأكد أنه رغم تقلبات أسعار النفط، فإن هناك طلباً كبيراً على أسهم القطاعات الدفاعية في المنطقة خصوصاً أسهم القطاع الاستهلاكي، وكذا الأسهم المدرة لتوزيعات الأرباح الجذابة. وذكر عوض، أن منطقة الخليج التي تعتمد إيراداتها بشكل رئيس على النفط تأثرت بالتراجعات الحادة في سعر النفط، ولكنها اتخذت خطوات استباقية لمعالجة المشكلات التي قد تنجم عن تراجع النفط، ومنها البحث في تنويع مصادر الدخل من جهة والتقشف في النفقات من جهة أخري، مشيداً بالخطوات التي اتخذتها الإمارات من أجل التنويع الاقتصادي، التي جعلتها في وضع جيد حتى انها أصبحت مركزاً للأعمال والاقتصاد في المنطقة. وأوضح عوض أن موضوع طرح شركات في الخليج للخصخصة يمثل أحد الحلول التي دائماً ما تثار أمام دول المنطقة في إطار تنويع الإيرادات غير النفطية والتكيف مع انخفاض الإيرادات، مضيفاً أن الخصخصة لا تعني طرح كامل أسهم الشركة أو غالبيتها للبيع، وإنما يمكن طرح حصة للجمهور على غرار ما فعلت السعودية عندما اتخذت خطوات فعلية لخصخصة بعض القطاعات. وأشار إلى أنه بالإضافة إلى الخصخصة، يجب على الدول الخليجية تشجيع الادخار المحلي كأحد الحلول لزيادة الموارد. وبين أن الاحتياطيات المالية لدى دول الخليج، تعتبر ضخمة جداً بما يكفي لدعم الإنفاق الحكومي وجعله معتدلاً والحفاظ على قوة عملاتها، مؤكداً أن ربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي «مهم جداً» في الوقت الحالي. وعقب عوض، على سؤال عن توقعاته لسوق الاكتتابات الأولية بأن رغم حالة التباطؤ التي قد تسود كم الطروحات العامة مقارنة بالسنوات الماضية، إلا أن العديد من الشركات على مستوى المنطقة لديها نية جادة لطرح أسهمها بالبورصة بمجرد استقرار أوضاع السوق، ولفت أنه يتوقع موجة انتعاش وإقبال كبير على صفقات الدمج والاستحواذ خلال الفترة المقبلة رغم تباطؤ ذلك النشاط خلال عام 2015. وأعرب عوض، عن ثقته في أن المؤتمر سيساعد في إنعاش سلسلة الطروحات المرتقبة بأسواق المنطقة على المدى البعيد، موضحاً أن المؤتمر يهدف إلى توفير المناخ الملائم لعرض الفرص الاستثمارية وتبادل الرؤى والأفكار حول مستجدات الوضع الاقتصادي في سلسلة من الاجتماعات واللقاءات المباشرة بين ممثلي الإدارة التنفيذية بأكبر الشركات المقيدة على الساحة الإقليمية ومجموعة من المستثمرين الدوليين والمؤسسات المالية الرائدة حول العالم. وأفاد عوض بأن تخفيض التصنيف الائتماني لبعض الدول يؤثر على قدرتها على الاقتراض من أسواق الدين العالمية وكذا على رفع سعر الفائدة على الدين، وأن تخفيض التصنيف الائتماني لبعض الدول الخليجية لم يكن بالشكل الكبير الذي يحد من قدرتها على الاقتراض، منوهاً بأن أسعار النفط الحالية تضع تساؤلات عديدة أمام مدراء صناديق الاستثمار العالمية ومن أهم الطرق لموجهة ذلك هو تنويع مكونات الصندوق. تراجع المؤشرات بدوره، قال محمد عبيد الرئيس المشارك لقطاع الوساطة في الأوراق المالية في المجموعة المالية «هيرميس»، إن أسواق الأسهم في منطقة الشرق الأوسط تمر بأزمة، فعلي سبيل المثال تراجع مؤشر البورصة السعودية 32% ومصر 35% والإمارات بين 12 و13%، فضلاً عن ضعف التداولات وتراجع السيولة عموماً، مؤكداً أن زيادة حجم الاستردادات لدي صناديق الاستثمار العالمية في الأسواق الناشئة بشكل مبالغ فيه خلال العام الماضي كان من أسباب انخفاض المؤشرات، حيث تزامن ذلك مع تراجع أسعار النفط. وأشار عبيد إلى انحسار موجة هروب رأس المال التي شهدتها المنطقة خلال يناير ومطلع فبراير الماضي، منبهاً إلى أن المستثمرين يبحثون حالياً عن مراكز تعظيم القيمة، خاصة في أسواق مجلس التعاون الخليجي، إذ إن القرارات الحاسمة والسياسات الشجاعة التي تتبناها الحكومات والشركات على حد سواء سيكون لها دور محوري في دعم وتنمية مؤشرات الأداء بصفة عامة. وذكر عبيد أنه على الرغم من أداء الاقتصاد الإماراتي يعد جيداً، إلا أن أداء أسواق الأسهم في الإمارات كان يعكس ما يحدث في المنطقة كلها من مخاوف حول تراجع الإيرادات والإنفاق الحكومي نتيجة لهبوط النفط، منوهاً بأن ما حدث من ارتفاعات قياسية في أسواق الأسهم الإماراتية خلال الأسبوعين الماضيين ناتج عن مضاربات من قبل أفراد وليس لدخول مؤسسات مالية كبيرة. وأعرب عبيد، خلال كلمته، عن أن «هيرميس» لديها توقعات متفائلة بشأن أداء أسواق الأسهم الإماراتية والخليجية عموماً نظراً لانخفاض تقييمات الأسهم بشكل قياسي ما يجعلها مغرية للشراء، لافتاً إلى أنه فيما يخص السوق المصري، فقد نجحت الدولة في حل مشكلة تحويل الأموال بشكل جزئي بعد أن أطلق البنك المركزي المصري آلية منذ عام 2013 تسمح للمستثمر الأجنبي في البورصة بإعادة أمواله لوطنه، ولكن ما زال المستثمرون متخوفون من إثر تذبذب العملة في مصر. معنويات المستثمرين أما أحمد والي الرئيس المشارك لقطاع الوساطة في الأوراق المالية في المجموعة المالية هيرميس، فقال إن معنويات المستثمرين هي العنصر الأكثر تأثيراً بشكل سلبي على أداء أسواق الأسهم في المنطقة بشكل عام لاسيما مع التقلبات الحادثة في أسعار النفط، مؤكداً أنه سيأتي يوم يترقب فيه المستثمرون أي خبر إيجابي لتحريك المؤشرات وأسعار الأسهم صعوداً، خصوصاً بعد أن أصبحت أسعار الأسهم رخيصة جداً. ورداً على سؤال لـ «الاتحاد» عن العوامل التي ستحفز الصناديق الاستثمارية العالمية على العودة للاستثمار في أسواق الأسهم الخليجية، أجاب والي، بأن الأمر يعتمد على أسعار النفط، وكذا على الاستقرار السياسي في المنطقة إلى جانب أوضاع الأسواق الناشئة الأخرى، مفسراً ذلك بأن المستثمر الأجنبي ربما يجد أن سعر سهم في قطاع ما في بورصة خليجية منخفضاً بشكل كبير، ولكنه لا يفضل الشراء نظراً لوجود سهم مثيل في سوق ناشئ آخر يمثل فرصة استثمارية أفضل. إصلاحات هيكلية بعيدة عن النفط دبي (الاتحاد) دعا مشاركون في مناظرة حول اقتصادات الشرق الأوسط، الدول الخليجية إلى المضي قدماً نحو الإصلاحات بغض النظر عن عودة أسعار النفط للارتفاع، وقال بيشوي عزمي، الرئيس التنفيذي لشركة الشعفار للمقاولات العامة، إن انخفاض أسعار النفط أجبر دول منطقة الشرق الأوسط على القيام بإصلاحات هيكلية، وعلى المضي قدما نحو مزيد من تلك الإصلاحات، بعيداً عن فترات الازدهار والكساد التي تمر بها أسواق النفط، مشيراً إلى أن الدول التي تعتمد على النفط كثيراً ستجبر على الخروج من الارتباط بين أداء الاقتصاد وأسعار النفط ما يفيد الأجيال القادمة، مع ضرورة مواصلة العمل دون الاعتماد على الوقود الأحفوري. واستبعد عزمي، ازدهار أسعار النفط على المدى القصير، أو عودتها لمستويات تفوق 90 دولاراً للبرميل في المستقبل القريب، بيد أنه أكد أن الوضع الاقتصادي لدول المنطقة لن يتعرض لصدمات أو مرحلة ازدهار كبيرة، خصوصاً في ظل انخفاض ديون الدول الخليجية وتحقيقها معدلات نمو أفضل من دول عدة. ومن جانبه، أكد أشرف الأنصاري، رئيس قطاع الاستثمار لشركة إكسانت، إنه إذا استمرت أسعار النفط في الانخفاض، فيجب على الدول الخليجية المضي قدما في فرض المزيد من الضرائب لتمويل العجز في الموازنات وسداد الديون. وقال إن من الصعب التعافي من التأثير السلبي لانخفاض أسعار النفط، لكن إذا ما استقرت الأسعار ستستعيد اقتصادات المنطقة وضعها، ولكن من الصعب أيضاً عودة النفط لمستويات 100 دولار للبرميل، مشيراً إلى أن تنويع اقتصادات دول الشرق الأوسط يبدو أمراً صعباً، إذ إن تقليل مساهمة النفط من 44 إلى 30% لن يكون سهلاً، حيث ستستمر هذه الدول في استغلال الموارد النفطية لفترة أطول. وذكرت هيدي ملوكا، الرئيس التنفيذي لشركة دوبت الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المحدودة، إنه رغم تراجع أسعار النفط وقلة السيولة، فإن أسواق الأسهم في منطقة الشرق الأوسط لاتزال تتوافر فيها نقاط إيجابية، داعية حكومات الدول الخليجية، لأن تدرك التحديات الجديدة التي تفرضها أسعار النفط المتدنية بحيث لا يجب أن تظل مرتكنة إلى انتظار تعافي السعر العالمي.