(السويد) - تشارك الشاعرة والمخرجة الإماراتية نجوم الغانم بفيلمها التسجيلي “أمل” في المسابقة الرسمية للأفلام التسجيلية ضمن مسابقات مهرجان مالمو للأفلام العربية التي انطلقت دورتها الثانية قبل أيام، حيث استقبل المهرجان في دورته الحالية اثنين وسبعين فيلماً من أجل التنافس في جوائزه المختلفة ضمن ثلاثة حقول تشمل الفيلم الروائي الطويل، والفيلم القصير، والفيلم الوثائقي. ويدخل فيلم “أمل” في سياق سلسلة من الأعمال التسجيلية المصاغة ضمن مشروع متواصل تسعى نجوم الغانم من خلاله إلى توثيق النماذج الفردية لنساء استطعن أن يتجاوزن المفهوم المكرّس حول المرأة الضعيفة والخانعة والمستسلمة لشرط الظروف المحيطة بها، حيث كان هذا المفهوم السلبي والشائع هو المطية أو المنصة الجاهزة لدى الكثير من الكتاب والمخرجين لتصدير الحالة البائسة للمرأة في المجتمعات العربية وتحويلها إلى حالة عامة، مسلّم بها، ومسيطرة أيضاً على التفكير الجمعي أو الوعي الشعبي داخل هذه المجتمعات. وعلى عكس هذا المنحى الذي يأخذ صيغة الدفاع عن المرأة - بنوايا حسنة أحياناً ومغلوطة في أكثر الأحيان - فإن نجوم الغانم تنطلق في أعمالها التسجيلية من عنصر القوة لدى المرأة، أو بمعنى أدق من عنصر الوعي بهذه القوة واستثمارها كقيمة إنسانية وإبداعية تحقق لها المشاركة، وتأكيد الذات، والتعبير الداخلي الحر، والمتخلص من عقدة الثنائيات والتقسيمات الوهمية المتوارثة في فضاء إقصائي ومستبد ومشوش ومستلب، يحمل تناقضاته معه من دون مراجعات حقيقية لهذا التناقض أو البحث في مسبباته ودوافعه الظاهرة والمتوارية. في فيلمها السابق “حمامة “، الذي نفذته قبل عامين، قدمت نجوم الغانم قصة الطبيبة الشعبية المتيقنة والواعية لقدراتها الشفائية الخاصة، والمصرة أيضاً على أن تكون صلبة ومتماسكة رغم كل العوامل الهائجة والمعاكسة حولها، وينحو فيلمها “أمل” في الاتجاه ذاته الساعي إلى إبراز جاذبية المرأة النابعة من روحها وشغفها والتي تضفي عليها هالة من السحر والجلال والهيبة الناعمة التي لا تتوسل الشفقة والعطف والمواساة؛ لأن الكاميرا التي تلتقط بها نجوم شخصياتها هي كاميرا مخترقة ومتجاوزة للنمط التقليدي، وتكشف وجع الأنثى من جانبه الأكثر نبلاً وألقاً واحتفالاً بالحياة. لقي فيلم “أمل”، الذي يوثق لمتواليات الغربة والحنين في حياة الفنانة المسرحية السورية أمل حويجة، تجاوباً كبيرة وإشادة ملحوظة من قبل جمهور مهرجان مالمو نظراً للتقصي الدقيق والجهد الكبير اللذين بذلتهما الغانم لتتبع التفاصيل المبهجة والمؤلمة في تجربة هذه الفنانة المكافحة التي أقامت لفترة طويلة بالإمارات والتي ساهمت الظروف والملابسات الصعبة المقرونة بالهجرة وموت الأم وغياب الأصدقاء والعزلة المتصحرّة في تحويلها إلى ذات يانعة وخضراء ومتماسكة ومسكونة بالأمل، الذي كان هو كلمة السر أو المفتاح الذهبي لتجاوز انكساراتها وخيباتها الهائلة. وفي لقاء لـ”الاتحاد” مع نجوم الغانم بعد انتهاء عرض الفيلم في المهرجان، أكدت أن تنفيذها فيلم “أمل” لم يكن ليتحقق لولا التعاون والتفهم الكبيرين اللذين أبدتهما الفنانة أمل حويجة والتي عبرت بصدق عن الجروح والعذابات التي كانت تعتمل في داخلها والتي تقبلتها وتعاملت معها كحافز ووقود للأمل المتنامي في داخلها رغم كل التبدلات القاسية والمسارات المرهقة في حياتها الشخصية. وقالت الغانم: “إن صدق أمل مع ذاتها ومع وجعها الشخصي، استطاع أن يخلق قناة تواصل عفوية وشفافة مع المتفرج، ومن هنا كانت أمل هي صوت وصدى للكثير من الحالات والتجارب الإنسانية التي تتقاطع مع تجربتها الخاصة”. وحول لجوئها إلى الفيلم التسجيلي رغم أن دراستها الأكاديمية كانت في حقل إنتاج وإخراج وكتابة الأفلام الروائية، أوضحت الغانم أنها ومقارنة بحماسها في السنوات الماضية، باتت تشعر الآن بوجود مسؤولية أكبر تجاه تحقيقها للفيلم الوثائقي، خصوصاً - كما قالت- إن الأجواء والظروف الإنتاجية ما زالت غير مهيأة لتنفيذ فيلم روائي متكامل يحقق المعايير القياسية أو الاحترافية لهذا النمط من الشغل السينمائي. وأكدت الغانم أن شغفها بالفيلم الروائي الطويل ما زال حياً وحاراً، وأنها تنتظر الفرصة المناسبة والظروف الإنتاجية المشجعة كي تدخل إلى هذا المعترك الصعب والمشوق في الوقت ذاته - كما أوضحت. وحول مشاركتها للعام الثاني على التوالي في مهرجان مالمو، أشارت الغانم إلى أن الوجود في مثل هذه المهرجانات السينمائية يقدم فرصة لها للتعرف إلى آخر النتاجات الفيلمية العربية وقياس مدى تطورها، ونوع المواضيع التي تطرحها وتلامسها، خصوصاً، كما قالت، أن الأفلام الوثائقية العربية لا يمكن التواصل معها ومشاهدتها سوى في مثل هذه المناسبات السينمائية الخاصة التي تحتضنها وتروج لها. وحول مشروعها السينمائي القادم، أشارت الغانم إلى أنها تعمل حالياً على فيلم وثائقي جديد بعنوان: “أحمر أزرق أصفر”، والذي ترصد من خلاله الصراعات والتحديات في التجربة الحياتية، وفي الخبرة الفنية الثرية ومتعددة الاتجاهات للفنانة الدكتورة نجاة مكي التي تعتبر من الأسماء الرائدة والمساهمة في تكوين ملامح المشهد التشكيلي في الإمارات منذ البدايات وحتى الآن.