يبدو أن عصرنا يسير باتجاه الأحلام، محمولة على أكتاف تقنية مبهرة إلى حد الدهشة، مما يجعل الانغماس فيها قد يحرم العقل من التمييز ما بين الأسود والأبيض، الأمر الذي يستدعي تمهيد الأرض من جديد، وتعبيد الطريق إلى الحياة بوعي جماعي، تشترك فيه الأسرة مع الجهات المعنية بضبط النفس قبل الغوص في لجج تقنية الإنترنت، والذي أصبح اليوم المخلب الشرس الذي يتربص بأطفالنا، ويختال ضاحكاً في وجوههم، ويهيئ لهم كل ما تبتغيه نفوسهم.
فالأمر جلل، والوضع الثقافي فيه من الخلل ما يتوجب الحذر والحرص في تقنين المشاهدة، لأن الإدمان صار مصيبة الزمان، ولأن العكوف على الشاشات الصغيرة مكلف جداً، وقد يطيح بكل الآمال المعقودة على جيل والأمنيات له بأن يكون بارقة المستقبل، وشمعته المضيئة، وشعلته الوضاءة في طرق الحياة.
اليوم ونحن نتابع ما يحدث لأطفالنا، نشعر بالأسى على حال جيل قد يصاب بعد حين بشلل الدماغ، لأن ما يوجد داخل أفخاخ الإنترنت، يؤذن بحرب شعواء ضد العقل، وضد الضمير، وضد الوعي بشكل عام.
قلنا ونقول، وسوف نظل نضع الأصابع على الجروح، وننبه بأن هناك جرحاً دامياً يتسرب في الجسد الثقافي لدى الأطفال بالذات، هذا الجرح قد يسبب عاهة دائمة لعقول هؤلاء إنْ لم يتخل أولياء الأمور ويضعوا الأمور في نصابها الصحيح.
فالإنترنت مادة دسمة وغنية بالمعلومات، ولكن الأشرار لم يتركوا شاردة ولا واردة إلا ويندسون من خلالها، ليبثوا سمومهم ويبعثوا في أذهان صغارنا لأغراض منهجية ومادية وأيديولوجية، وإذا ما تركت الحبال على غاربها فإنها قد تغرق السفن، ويضيع المستقبل الذي تبذل الدولة من أجله الجهد الجهيد.
المسألة ليست صعبة بقدر ما هي سهلة إذا عرفنا كيف نبين الطريق القويم لاستخدام هذه التقنية المهمة في حياتنا، وأول الحلول يجب أن نوعي صغارنا بأن الإنترنت سلاح بحدين، أحدهما مهم، والآخر خطير ومدمر.
اليوم انعزال الصغار في الغرف المغلقة، والجلوس لساعات طوال أمام الإنترنت، ومن دون حسيب ولا رقيب، لهو الأمر الذي يثير التساؤل ويرفع درجات الأسى في النفوس، فنقول لماذا هذا التساهل؟ لماذا هذا الإهمال؟ وما هي المشاغل التي تغيب رقابة الآباء على الأبناء؟ فلا عذر مهما قلبنا المبررات رأساً على عقب، فالأبناء هم الأهم، وهم الشغل الشاغل لكل أب وأم إذا أردنا أن نكون على مستوى المسؤولية.
والله يحفظ أبناءنا ويحميهم من شرور كل معتد أثيم.