ما الكراهية؟ إنها الصورة لحيوان منقرض، أفرزته الطبيعة، فإذا به يقفز نشطاً في العصر الحضاري العالمي، ويكشر عن أنياب أشبه بمنشار يقطع الأجساد، كما يحطم جذوع الشجر.
علمنا سيجموند فرويد، بأن الكراهية ليست طفرة جينية نادرة، تحدث في زمن المباغتة، بل هي سكين الأنا تستخدمها متى ما فشل الإنسان في عقد التوافق مع نفسه، ومن ثم مع الآخر، ولكي يؤكد تفوقه على الآخر، فإنه يلجأ إلى البطش، والتدمير ليثبت أنه الأقوى، لأن ما من إنسان على وجه البسيطة إلا وفي داخله شيء ما يزعجه، والشخص (الأنوي) خير مثال لهذا الإحساس البغيض، الأمر الذي يجعل الإنسان يؤمن بالقوة كونها السلاح الذي يحميه من حالة الضعف الداخلي، وعقدة الدونية، ومركبات النقص.
يقول فرويد إن القوي ليس من يمتلك قوة السلاح، وإنما القوي هو من يتمسك بقوة العزيمة واعتبار الآخر جزءاً منه، وليس الطرف المضاد. ولكن ما يحدث للإنسان وهو يجابه متطلبات (الأنا) أنه ينقلب على نفسه، ويكره نفسه كما يكره الآخر، ولذلك يلجأ إلى العنف، ويعتبر قانون القوة هو القوة الأعظم التي تحقق له ذاته، وتثبت كيانه، وطبيعة الحال هذه ليست إلا خداع بصرية، وحيل دفاعية، وخيال مريض ينحو نحوه الإنسان، عندما لا يملك الإجابة المنطقة لإحساسه الداخلي.
اليوم يشهد العالم تقلبات في المشاعر البشرية أشد ضراوة من حروب الأسلحة الفتاكة، بل إن الكراهية في الأساس هي الطريق إلى حفر الأرواح بخنادق الحقد، ولا يسلم من هذه السيوف المسمومة، كل من اعتنق فكرة (هذا لا يكفي) لأنها فكرة تفتح الطريق إلى الغرف السوداء، حيث لا يرى الداخل إليها حتى قدمه.
هذه هي منظومة المشاعر البشرية، والتي تهشمت على مدار القرون، إثر تفاقم فكرة هذا لي، وذاك لك، ومن بين ثنيات هذه المشاعر انبثقت الروح العدائية ضد الآخر، وتطورت لتصبح قنابل شديدة الانفجار، لا تبقي ولا تذر.
هذه المشاعر في حد ذاتها ترسم اليوم صورة قاتمة للحضارة البشرية والتي قيل عنها إدعاءً إنها حضارة التنوير، والبناء والتعمير، بينما هي ذاهبة إلى مناطق ضحلة، ملوثة لا تصلح للعيش البشري، ولا حتى الحيواني ، حضارة تضع الحواجز الإسمنتية الصلبة بين فئة وأخرى، وتمارس دور الفرز المزري، مما يجعل العلاقة بين الفرد والآخر، علاقة تنافرية، وتتطور لتصير علاقة القاتل والمقتول.
إذن ما الحل؟ نقول إن العالم بحاجة إلى صيانة الذات، وإلى إعادة صياغة المفاهيم، وتغيير المصطلحات، وبناء معجم فلسفي جديد، ومختلف عما هو عليه في الوقت الحالي، وهذا بطبيعة الحال، يحتاج إلى كفاح مرير، من أجل الانتصار على (الأنا) ويحتاج إلى فهم ما تعنيه عبارة (هذا لا يكفي - هذا لي).