ما بين النون والقلم، تمضي السنون حاملة معها علامتي الرفع والسكون وما بينهما سؤال الوجود كيف تبدو الحياة من دون مصابيح تضيء الدروب وتفتح علامات باتجاه الأفق؟ وها نحن نعيش عصرنا، عصر أينشتاين الذي قال إن الحياة من دون حب تدمير للذات والآخر، وزمن بيكون الذي أبهرته المعرفة فقال إنها قوة.
والأيام دواليك تأخذنا بين الحين والآخر إلى عصر هذا الفيلسوف وذاك، وما يحدث من حروب عبثية يخبرنا بأن الإنسان لم يزل مخدوعاً بالقوة التي تسلب منه مشاعر الحب، هذا الإنسان يعيش سباقاً مريراً من أجل التفوق، ولكنه في نهاية الأمر يغدو مغموراً مغدوراً تتآمر عليه (الأنا)، فتجعله يمشي على الأرض، وكأنه خرق الأرض ومد الجبال طولاً، هذا الإنسان الذي أصبح يفكر في القوة كمخلب طاغٍ عاصٍ متجبر متبختر غير منسجم مع نفسه ولا مع الآخر.
لهذا السبب نرى الطغيان والجبروت والتزمت والتعنت، نرى العصبيات تخنق الرقاب وتستولي على المصائر وتجلب الويلات والخيبات إلى الإنسانية ولم يزل الإنسان في لهوه وسهره يعيث فساداً ويمرغ أمنا الأرض في غبار خضيضها ورضيضها أم الإنسان في لا وعيه يفكر بالقوة التي هي ليست إلا خدعة بصرية
وخيالاً مريضاً تلقيه عليه الأنا المتضخمة، فتجعله بين أمواجها قشة تائهة ورمية طائشة.
فلا يتوقف عند هذه العبثية إلا الأوفياء والنبلاء، هؤلاء هم الذين يقولون للعالم قف تفكر ولا تبطر ولا تتبختر، فالحياة جميلة بجمال نفوس أهلها، الحياة رائعة بقوة الشيم ونصاعة القيم وليس بالكراهية والبغض والأحقاد.
هلموا إذن، هكذا يقول الشرفاء، هلموا كيف نجتمع على كلمة سواء، ونحفظ كوكبنا من الضياع، وألا نسلمه للمجانين والبلهاء والمعتوهين وأصحاب الأجندات العصبية، لنحكم أنفسنا ونشكم غرورنا، ونعيش على الأرض يجمعنا الحب ويؤلف بيننا التضامن.
الذين يغرقون في لجج العنجهية هم الذين يعيشون بلا وازع إنساني ولا رادع قيمي، هؤلاء هم الذين تفوقت عقولهم على كل شيء إلا أنفسهم، فهذه النفوس ظلت طاغية باغية بالية كأنها قماشة قديمة قدم الزمان.
يستطيع المرء أن يتحكم في تطلعاته ورغباته إذا تحكم أولاً في عقله، وكان هذا العقل متراس حنكة لا فأس فتنة.
يستطيع الإنسان أن يكون كعازف بيانو ماهر يداعب مفاتيح البيانو لاستنباط أفضل الإمكانات.
لذلك نقول إن الذهن عندما يكون سيد نفسه يكون قادراً على استخلاص أفضل الإمكانات الجمالية والأخلاقية، بينما يعجز عن تحقيق ذلك عندما يتحكم الذهن في كل شيء عدا نفسه.