عواقب إدمان العالم الافتراضي

مريم بوخطامين (رأس الخيمة)

تظهر دراسات علمية وطبية متخصصة، أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، تنتجت عنه أمراض ذهنية وجسمانية تؤثر على الأعصاب الجسدية والعقلية. مؤكدين أن الآلام المصاحبة لهذه الأمراض ليست هينة أو بسيطة، خاصة أن بعضها يجعل المرضى مضطرين لتلقي الأدوية بشكل منتظم أو إجراء جراحة طبية للتخلص من تلك الأعراض. وأجمع الأطباء والمتخصصون على أن هناك حالات طبية ترتبط بعمر وسن المتلقي لتلك الشحنات السلبية التي يكتسبها، وتقوم حالياً عددٍ من المؤسسات، سواء التعليمية أو المجتمعية، بالعمل للتقليل منها عبر تحديد مدة استخدام الأجهزة الإلكترونية أو الجلوس بطريقة صحيحة أمام تلك الأجهزة.
وقدم أطباء الأعصاب في مستشفى رأس الخيمة دراسة علمية حول الاستخدام المفرط للهواتف الذكية، والذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بمتلازمة النفق الرسغي التي تسبب لدى مصابيه الشعور بالألم والوخز والحرق والخدر في أصابع الإبهام والسبابة والوسطى ونصف البُنصر، كنتيجة طردية مرتبطة بالاستخدام المُفرط للأجهزة مثل الهواتف الذكية أو الحواسيب الشخصية أو ممارسة ألعاب الفيديو والتي تسبب أيضاً التهاب مفصل الإبهام والتهاب غمد الوتر والتهاب الإبهام الناتج عن ألعاب الفيديو ضمن بعض الحالات الأخرى.

أخبار ذات صلة

«الخوارزميات».. أزمة الوعي الثقافي

وأوضحت الدكتورة سويتا براكاش أديتيا، اختصاصية الأعصاب، المديرة الطبية في مستشفى رأس الخيمة، أن الظهور المفاجئ للآلام في منطقة الرسغ، في حال عدم وجود إصابات أو صدمات سابقة في سجل المريض الطبي، قد يكون مؤشراً إلى الإصابة بالتهاب الرسغ الحاد، وهو مرض جديد ينجُم عن الاستخدام المطوّل لتطبيقات الهواتف المتحركة، خاصة في مسألة المراسلة، منوهة بأنها تندرج تحت فئة آلام إصابات الإجهاد المتكرر المُرتبطة بالتراكم التدريجي للضرر الذي يُصيب العضلات والأوتار والأعصاب بسبب الحركات المتكررة، مؤكدة أن الهواتف الذكية أصبحت اليوم جزءاً أساسياً من حياتنا، حيث تُظهر التقديرات أن مستخدمي الهواتف الذكية يمضون حوالي 3 - 4 ساعات يومياً في استخدام أجهزتهم، وساهمت إجراءات الإغلاق نتيجة أزمة «كوفيد-19» في زيادة معدل استخدام تلك الهواتف، ضاربة مثالاً أن الشباب يتصفحون شاشات هواتفهم أكثر من 100 مرة خلال اليوم. 
وبينت أن هناك أسباباً مرتبطة بالتهاب الرسغ الناجم عن الاستخدام المطول للتطبيقات بالحركات المطولة والمتكررة التي تؤدي إلى التهاب الأوتار وتعرضها للضرر، ما يتسبب في ألم شديد في منطقة الرسغ وإصبع الإبهام، وانتقال الألم أحياناً إلى الساعد، وتكون الإصابة أحياناً خطيرة للغاية، ويستغرق علاجها عدة أشهر، وتترافق مع ألم شديد يعيق الحركة والتنقل. ولذلك نشدد دائماً على أن الوقاية خير من العلاج والسبيل الأمثل للتمتع بصحة جيدة، منوهة بأن المستشفى يستقبل شهرياً حوالي 8 إلى 10 حالات إصابة في عيادات طب العظام والأعصاب، وأكثر المصابين بهذا النوع  هم الأطفال الصغار لأنهم يقضون وقتاً طويلاً في ممارسة ألعاب الفيديو وإرسال الرسائل النصية واستخدام أجهزة الكمبيوتر.
ونصحت الدكتورة في حال الإحساس بهذه الأعراض، بوضع الثلج والرباط الضاغط ورفع المعصم والراحة كحل ثانوي، ناهيك عن مراجعة الطبيب لتلقي الأدوية الملائمة مثل مضادات الالتهاب ومرخيات العضلات وبعض المكملات الغذائية المخصصة للغضاريف، ويساهم وضع دعامة المعصم والخضوع للعلاج الطبيعي وإعادة التأهيل، في منح المريض بعض الراحة.
 كما شددت على أهمية اتباع التدابير الوقائية للحد من هذه الحالات وتجنب الإصابة بها، وأهمها استقامة المعصمين أثناء حمل الهاتف الذكي، واستخدام كلتا اليدين بشكلٍ متوازن، والتوقف عن استخدام الهاتف لأكثر من 15 - 20 دقيقة متواصلة، وتأدية تمارين الإطالة لإرخاء عضلات اليد والذراع والرقبة، والالتزام بقاعدة (20-20-20)، وهي النظر إلى شيء على مسافة أبعد من 20 قدماً (6 أمتار) لمدة 20 ثانية بعد استخدام الهاتف لمدة 20 دقيقة، استخدام خاصية الرسائل الصوتية بدلاً من الكتابة لتقليل الضغط على إصبع الإبهام، والتوقف عن استخدام الهاتف الذكي مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، واستخدام تطبيق تتبع لمراقبة زمن استخدام الشاشة اليومي، والتقيّد بتعليمات الحد من الاستخدام.

أمراض القلب وضغط الدم والسكري
وقال الدكتور شريف مسعد، استشاري، رئيس قسم الأطفال بمستشفى أمينة بعجمان، إن الجلوس لأكثر من أربع ساعات أمام الأجهزة الإلكترونية يسبب أمراض القلب وأمراض ضغط الدم والسكري، مفسراً أن الدراسات الحديثة بينت أن الجلوس لساعات طويلة أمام التقنيات الحديثة ساهم في تقليل حركة الأطفال والمراهقين وحتى الشباب، ما نتج عنه تزايد وتراكم الدهون لديهم، وبالتحديد منطقة البطن، ما يؤدي بالتالي للإصابة بـ «المتلازمة الأيضية» نتيجة السمنة الزائدة، وهنا تظهر أمراض عدة مثل مرض السكري وضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول التي قد تصيب الأطفال، منوهاً بأن الدراسات العلمية تكشف أن بين كل 4 أطفال هناك طفل مصاب بالسكري في العالم، وهذه مؤشرات وأرقام تبين أن أعداد مرضى السكري، النوع الثاني، في ارتفاع كبير ومستمر في العالم، مشيراً إلى أن الخمول وقلة الحركة والجلوس الطويل أمام الألعاب الإلكترونية ينتج عنه الضغط على القوة العضلية وزيادة الوزن، موضحاً أن العضلات تستهلك من 70-90% من نسبة السكر في الجسم، ناهيك عن أنها تقلل من نسبة الذكاء. 
 وأكد أنه لا ينصح باستخدام الأجهزة الإلكترونية للذين تقل أعمارهم عن أربع سنوات، مشيراً إلى أن هناك تأثيراً على الأعصاب والمخ نتيجة الاستخدام المستمر للأجهزة الإلكترونية والتي لا تقتصر على البعد الجسدي والبدني فقط بل يصل تأثيرها إلى الصحية السلبية على أعصاب المستخدمين، وعلى وجه التحديد الأطفال، مشيراً إلى أن ارتفاع نسبة الأطفال الذين أصيبوا بحالات تشنج نتيجة اللعب المطول بهذه النوعية من الألعاب ليست قليلة، تراوحت ما بين 10-15% من إجمالي مرضى المخ والأعصاب، والتي تتمثل بمشاكل التشنج والصرع، بالإضافة إلى المشاكل الصحية والتي تسمى (الديسك بأنواعه) التي تترك أعراضاً سلبية على الرقبة نتيجة الوضعية الخاطئة أثناء الاستخدام المطول للهواتف الخلوية.
ونوه بأن بعض الأدلة تشير إلى أنه إذا كان الشخص يعاني من اضطراب إدمان الإنترنت، فإن تركيب دماغه مشابه لتلك التي تعاني من الاعتماد على المواد الكيميائية، مثل المخدرات أو الكحول. ومن المثير للاهتمام أن بعض الدراسات تربط اضطراب إدمان الإنترنت بتغيير جسدي لبنية المخ، حيث إنه يؤثر بشكل خاص على كمية المادة الرمادية والبيضاء في مناطق المخ قبل الجبهية التي ترتبط بهذه المنطقة من الدماغ بتذكر التفاصيل والانتباه والتخطيط وتحديد أولويات المهام، وأن أحد أسباب اضطراب إدمان الإنترنت هو أن التغييرات الهيكلية في منطقة الفص الجبهي في الدماغ تضر بقدرتك على تحديد أولويات المهام في حياتك، ما يجعله غير قادر على تحديد أولويات حياتك.

إصابة العين بالإجهاد
أكد الدكتور هشام حاجي، طبيب عيون، أن الضوء الصادر عن الأجهزة الإلكترونية يمكنه أن يصيب العين بالإجهاد والشيخوخة المبكرة، كما يمكن أن يتسبب هذا الضوء في إصابة العين بالضمور البقعي، وهي حالة ترتبط بالتقدم في العمر، ومن الممكن أن تؤدي لفقد البصر، وتؤثر بصورة كبيرة في الشبكية.
كما يتسبب الاستخدام المطول للتطبيقات التقنية في الأجهزة الإلكترونية، بحسب أطباء النفس، في حالة من الانعزالية وحب البقاء طويلاً وتفضيل الوحدة، ناهيك عن قلة التواصل مع الأفراد المحيطين به، وخلق فراغ بينه وبين الأفراد، وتزداد وتظهر هذه الحالة لدى الأطفال، حيث تخلق فجوة بينه وبين إخوته ووالديه، كما تسبب بعض الألعاب المستخدمة خلق حالة من العدوانية، وقد تصل للانتحار لدى البعض نتيجة التعلق ببعض التقنيات، ناهيك عن التأثير المباشر على طبيعة النوم.
 وسعت مدارس منطقة رأس الخيمة خلال فترة التعليم عن بُعد إلى تقليل ساعات استخدام الطلبة للأجهزة الإلكترونية، وذلك بهدف تخفيف الشحنات الإلكترونية التي قد يكتسبها الطالب.