الخميس 9 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

سياسات الاستدامة.. نجاح إماراتي بلا نظير

سياسات الاستدامة.. نجاح إماراتي بلا نظير
13 ديسمبر 2023 01:49

محمد المنى (أبوظبي)

دولة الإمارات بلد منتج ومصدّر للبترول منذ وقت طويل، وعضو فاعل في منظمة «أوبك» وطرف مؤسس في تحالف «أوبك بلس»، وقد بدأت أنشطة استخراج البترول في الإمارات منذ خمسينيات القرن الماضي، ليشكل النفط بالنسبة لها منطلقَ نهضة اقتصادية وعمرانية وصناعية وعلمية شاملة عزَّ نظيرها، إذ بفضل الخطط الناجحة والسياسات الحكيمة أصبحت الإمارات أكثر بلد عرف كيف يوظف عائدات النفط ويحولها إلى مخرجات اقتصادية واجتماعية وثقافية وصناعية وزراعية وخدمية وبنيوية.. على نحو يلامس سقف الحلم وحدود الخيال في مجالات البناء والإعمار والتطوير.
وقد نجحت الإمارات في تطبيق سياسة تنويع مصادر الدخل، مستهدِفةً الانتقالَ مِن اقتصاد الريع النفطي والاعتماد على عائدات قطاع البترول نحو تنويع القاعدة الاقتصادية وتعزيز القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، أي نحو تحقيق مستهدفات التنمية المستدامة. وهو انتقال انخفضت خلاله تدريجياً مساهمةُ النفط في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، والتي مثلت نسبة 77 في المئة عام 1975، لينقلب الوضع في عام 2022 حيث أصبحت مساهمة القطاعات غير النفطية 73.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
لم يتراجع حجم الإنتاج النفطي الإماراتي لكن تراجع وزنه النسبي ضمن هيكل الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وذلك لصالح القطاعات الأخرى غير النفطية، والتي تحقق نمواً وازدهاراً كبيرين، مثل الصناعة التحويلية والتجارة والمقاولات والسياحة والبيئة والخدمات والبحث العلمي.. إلخ، مما يحقق مستهدفات «رؤية الإمارات 2021» حول التحول نحو اقتصاد المعرفة القائم على الابتكار والإبداع والبحث كمحركَات للتطور وللنمو الاقتصادي، وهو ما يعبِّر في الوقت ذاته عن السياسة الناجحة التي انتهجتها الدولة لتنويع مصادرها الاقتصادية، ولخلق تنمية مستدامة تضع أسساً اقتصادية راسخةً ومتينة. 
وتعد الإمارات أول بلد بدأ التخطيط مبكراً لمرحلة ما بعد النفط، وأخذ يضع الخطط والسياسات مجهِّزاً نفسَه لليوم الذي يصدِّر فيه آخر برميل نفط. وكما وجَّهت الإمارات اهتمامها بشكل مبكر نحو الطاقات المتجددة، في الداخل والخارج معاً، وأصبحت بلداً رئيسياً في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة الماء، فقد أولت البيئةَ عنايةً خاصةً منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي نجح في تحويل الصحراء إلى جنان ومروج خضراء، واهتم بالزراعة والتشجير، وأنشأ المحميات، وعُني بحماية الأنواع الحيوانية وبالحفاظ على عناصر البيئة وموارد الطبيعة على اختلافها.. وهي الاهتمامات التي تشكل مجتمعةً ما يطلق عليه في وقتنا الحالي سياسة «الاستدامة». وتجسيداً لهذا التاريخ الطويل من الاهتمام بالبيئة والحفاظ على سلامتها، أجمعت دول العالم في عام 2009 على اختيار أبوظبي مقراً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (آيرينا)، لتصبح الإماراتُ أولَ بلد شرق أوسطي يستضيف المقر الرئيسي لوكالة دولية. كما تم اختيارها في عام 2021 لاستضافة «كوب 28»، إعراباً عن ثقة العالم ومنظماته في هذا الالتزام الراسخ لدى الإمارات بحماية المناخ وفي جهودها الدؤوبة في مجال الاستدامة. 
واضطلعت دولة الإمارات على مدى العقدين الماضيين بأدوار بارزة في مجال الطاقة المتجددة من خلال تطوير مشاريعها في الداخل والخارج، حيث أنشأت في عام 2006 شركة مصدر لطاقة المستقبل (مصدر)، وأسندت إليها العمل على تطوير مشاريع الطاقة النظيفة، والتطوير العمراني المُستدام، وتعزيز الأنشطة الصديقة للبيئة كأسلوب للعيش والحفاظ على البيئة ضماناً لمستقبل بيئي آمن.
وبالإضافة إلى الأبحاث والتطوير من خلال «معهد مصدر»، تُعنى شركة مصدر بتطوير «مدينة مصدر» في أبوظبي، بوصفها المدينة البيئية الأكثر استدامةً في العالم، وتعمل على نشر الطاقة النظيفة من خلال «مصدر للطاقة النظيفة»، وتقوم بتقديم الخدمات الاستشارية من خلال «وحدة المشاريع الخاصة»، وتستضيف المبادرات وتنظم الفعاليات ذات الصلة بمجال اهتمامها مثل «أسبوع أبوظبي للاستدامة».
وتنفذ شركة «مصدر» عدداً كبيراً من مشاريع الطاقة النظيفة داخل الدولة وخارجها، بما في ذلك محطة «شمس 1» للطاقة الشمسية المركّزة، ومحطة الطاقة الكهروضوئية في مدينة «مصدر» نفسها، فضلاً عن مشاريع التقاط وتخزين الكربون في الإمارات للحد من الانبعاثات الكربونية الناجمة عن الأنشطة الصناعية.
وعلى الصعيد الخارجي تقوم شركة «مصدر» بتنفيذ وتطوير عدد كبير من مشاريع الطاقة النظيفة، وتشارك في تطوير وتنفيذ عدد كبير أيضاً من هذه المشاريع في مختلف أنحاء العالم، سعياً إلى التعجيل بتطبيق حلول الطاقة المتجددة، بما يساعد البلدان النامية على تحقيق التنمية ومكافحة الفقر، وعلى الحد من التلوث الذي يسبب ظاهرةَ الاحتباس الحراري كعامل مباشر وراء التغير المناخي الذي يهدد الحياة على الكرة الأرضية بآثاره العنيفة وتداعياته الخطرة. 
وإدراكاً من الإمارات لهذه الآثار والتداعيات، وحرصاً على حماية الكوكب من المخاطر والتهديدات، جاءت استضافتها لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (كوب 28)، الذي شهد أول تقييم عالميّ للتقدم المُحرَز في تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ عام 2015، والذي يختم أعمالَه هذه الأيام في مدنية إكسبو دبي بنجاحات كبيرة، إذ حقّق إنجازات غير مسبوقة في تاريخ مؤتمرات «كوب» منذ انطلاق دورتها الأولى في برلين عام 1995. ومن ذلك نجاحه في التصديق على قرارات مهمة تهدف إلى خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، استهلها بالاتفاق على الصندوق العالمي للمناخ، لمساعدة الدول النامية على مواجهة آثار التغير المناخي.
ويعد إنشاء هذا الصندوق خطوةً مهمةً نحو تعزيز العدالة المناخية ومساعدة الدول الأكثر هشاشة على التكيف مع الأخطار المناخية. ومن النجاحات المهمة الأخرى للمؤتمر «إعلان الإمارات بشأن المناخ والصحة»، الذي يضع الصحةَ في قلب العمل المناخي ويرمي لتسريع تطوير مجتمعات مستدامة قادرة على التكيف مع الأخطار المناخية. وهو أول إعلان حكومي دولي يعترف بالآثار الوخيمة للتغير المناخي على صحة المجتمعات البشرية، ويؤكد على الفوائد الصحية الكبيرة لحماية المناخ، بما في ذلك الحد من تلوث الهواء ودوره في خفض تكاليف الرعاية الصحية. 
وجاء ترؤس دولة الإمارات «كوب 28» بمثابة تأكيد من مختلف الأطراف الدولية، دولاً ومنظماتٍ، على الثقة الكبيرة في سياسات الدولة وفي الجهود التي تبذلها والمبادرات التي تطرحها في مجال الاستدامة، فخلال المؤتمر أطلق صاحب السمو  الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، صندوقاً عالمياً بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية، وأعلن عن «مبادرة الائتمان الأخضر»، وكرّم الفائزين بجائزة «زايد للاستدامة». 
وخلال الفترة القريبة الماضية طرحت الإماراتُ مجموعةً من المبادرات المتتالية الهادفة لحماية البيئة وللتقليل من مخاطر التغير المناخي، حيث أعلنت عن تدشين «خريطة طريق لخفض الكربون في القطاع الصناعي»، لاسيما في صناعات مثل الحديد والصلب والألومنيوم والإسمنت.
وبوصفها رئيسةً لـ«كوب 28» أطلقت الإمارات «ميثاق الانتقال إلى الحياد المناخي» بهدف تشجيع شركات القطاع الخاص على اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة تداعيات التغير المناخي، بالإضافة إلى مبادرة «ميثاق حكومات الحياد المناخي 2050»، ومبادرة «تحالف القرم من أجل المناخ - زراعة 700 ألف شجرة قرم»، ومبادرة «صفر نفايات» التي جاءت بالتعاون بين وزارة التغير المناخي والبيئة وشركة أبوظبي لإدارة النفايات «تدوير».. وغير ذلك من المبادرات والمشاريع الرامية إلى تحقيق المستهدفات المناخية ومرئيات «كوب 28» الذي يشارك فيه على مدى 13 يوماً أكثر من 100 ألف شخص يمثلون الدول الأطراف والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والحكومات الإقليمية، والشركات الخاصة، والهيئات الأكاديمية، ومنظمات المجتمع المدني، والتنظيمات الدينية، ووسائل الإعلام.. مما يجعله أكبر مؤتمر دولي حول المناخ في تاريخ العالم على الإطلاق. أما قراراته وإنجازاته فلا نظير لنجاحها في تاريخ العمل الدولي المشترك بشأن المناخ وتحدياته. 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©