الثلاثاء 30 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الاتحاد كثيمة كونية

الاتحاد كثيمة كونية
2 ديسمبر 2021 01:05

إميل أمين

مع احتفال الإمارات العربية المتحدة بعيد الاتحاد الخمسين، تكون خمسة عقود انقضت على قيام الاتحاد بين الإمارات السبع، ولعل المشهد اليوم يتطلب وقفة فلسفية أمام فعل الاتحاد، ذلك الذي استشرفه الآباء المؤسسون، ومن أجواء البادية الخلاقة عرف الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه» أن الاتحاد فعل تجري علائمه في الكون، وتظهر آثاره في الخليقة، من مشارق الأرض إلى مغاربها، ومن الشمال إلى اليمين، وغداة تسلمه دفة الحكم في أبوظبي في السادس من أغسطس من عام 1966، صرح الشيخ زايد بما يدور في عقله، حول مدى أهمية الاتحاد، وقال «طيب الله ثراه» معلقاً: «نستطيع بالتعاون وبنوع من الاتحاد، اتباع نموذج الدول الأخرى النامية».
نمت فكرة الاتحاد وترعرت في عقل الشيخ زايد، على الرغم من أن هذا المفهوم كان حديث العهد في منطقة خلصت للتو من الاستعمار الأجنبي، إلا أن اعتقاده بإمكانية تنفيذه على أسس الروابط التي تربط بين مختلف الإمارات، كان اعتقاداً صادقاً انطلق من وحدة مصير وتاريخ وتراث مشترك متجذر عبر التاريخ.
لم تكن رؤية المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه» للاتحاد قضية شعاراتية، وإنما مسيرة عمل وأمل ترجم فيها مبادئه وأفكاره عن فلسفة الاتحاد التي رأها من بعيد، تلك التي ترتكز على التعاون والتكامل.
يعن لنا أن نتساءل عبر هذه السطور: هل الاتحاد حالة كونية تتجلى في أفق الكون الواسع الشاسع، حيث عناصر الطبيعة الأربعة النار والتراب والماء والهواء، تعمل في هارموني متناسق عجيب، يخبر بوحدة فريدة تسمو فوق الانقسامات، وتهفو نحو روح الوحدانية؟
نبدو هنا أمام تساؤل فلسفي عميق، قد يراه البعض بعيداً عن عمق الحديث بشأن حدث الاتحاد السياسي كرؤية تاريخية، غير أنه مع المزيد من الحفر الأركيولوجي العقلاني، إن جاز التعبير، يمكننا اكتشاف ماورائيات الاتحاد كثيمة كونية وكروح سرمدية تعم المسكونة وتبسط أجنحتها على ساكنيها.
في مؤلفه القيم «الإنسان والوجود»، نقرأ للمفكر والفيلسوف الكبير الراحل الدكتور حسن عباس زكي: «أن الكون وحدة واحدة، حتى أن الذرات التي كانت مع بعضها تظل متصلة ببعضها بصورة ما، ولو انفصلت عن بعضها..فمثلاً: إذا كان هناك ذرتان متصلتان ببعضهما بصورة ما، فإنه بعد انفصالهما عن بعض نجد أنه: حتى لو كانت واحدة في أول الدنيا، والثانية في آخر الدنيا، فإن كل واحدة منهما تتغير تبعاً لتغير الأخرى.. مما جعل بعض النظريات تقول إنه حتى بعد انفصال الذرات التي كانت مع بعضها، فإنها مازالت متصلة ببعضها بوسيلة غير مفهومة.

روح الاتحاد
لعل فكرة الاتحاد في الكون قد وجدت طريقاً لتجذيرها بشكل غير مسبوق عند الفيلسوف الفرنسي الشهير «تيار دي شاردان» (1881-1955)، والذي وجد أن هناك قوانين شاملة تجمع بين كل المخلوقات، فقد ساد الاعتقاد لفترة طويلة أن عالم الإنسان هو عالم مغلق له قوانينه الخاصة، وأن عالم المادة أيضاً له قوانين خاصة به، ولا يوجد تشابه بين المادة والحياة، لكن تيار دي شاردان استطاع أن يضع أصابعه على قانون شامل فتح له باب أسرار العلم، على قانون واحد يسود العالم بكامله ويقود تطور هذا الكون، إنه قانون الاتحاد ضمن ما أطلق عليه، التناسب بين التعقيد والوعي.
ملخص هذه النظرية أن العالم فيه كائنات معقدة، أي أنها مركبة تركيباً منظماً يخضع لقانون الاتحاد، وأنه كلما عدنا إلى الماضي، تتراجع الكائنات في التعقيد والوعي، وكلما تقدمنا في المستقبل في سير التاريخ، وجدنا أن الكائنات الأخيرة أكثر تعقيداً وأكثر وعياً من أسلافها. في أقصى الماضي وجدنا المادة المندثرة المخفضة، وفي أقصى المستقبل نجد المادة متجمعة ومركزة، وكل حركة التاريخ ما هي إلا محاولة إلى التوحد من المندثر إلى المتعدد إلى الواحد المركز....أي إلى طريق الاتحاد.
إن نقطة ألفا هي بداية كل شيء، في صورته المفككة الأولى، غير أن نقطة الأوميجا هي نقطة الاتحاد الذي يمثل البشرية متحدة في عالم نهائي، هذه النقطة تركز في نفسها كل العالم المتحد بما فيه من جماد وحياة وروح، نقطة جامعة شاملة وواحدة.
إن روح الاتحاد، ذلك الشعار الإماراتي عميق الدلالة وهو التعبير الصادق عن ارتباط قلب وفكر كل مواطن، سواء من الأجيال التي عايشت نشأة الاتحاد، أو من الأجيال الجديدة التي عاشت منجزات الاتحاد في كل بقعة على أرض الدولة خلال العقود الماضية، وليصبح ذكرى يوم الاتحاد كتاريخ كان له ما بعده من عمران ورقي ونهضة، بفضل القيادة الرشيدة، بداية بالآباء المؤسسين وحتى الحاضر، حيث تمتع الإمارات بمكانة عالية دولياً. وتبقى روح الاتحاد هي الشعور الكوني الخير الذي تلمسه زايد الخير، ومنه وضع لبناته لتجميع الإمارات السبع في كيان واحد.

دلالات الرقم 7
لعل ما يلفت الانتباه في قصة الاتحاد الإماراتي رقم سبعة في عدد الإمارات التي اجتمعت في طريق الوحدة، ذلك الرقم الذي يحتل مكانة سامية تصل إلى حد التقديس في كافة، إن لم يكن كل الأديان والحضارات المتقدمة، ولا يزال سره شائعاً وذائعاً في الكون، ومن غير مقدرة نهائية على حصره في مفهوم واحد أو توجه بعينه يفسر ماورائيات الرقم.
اعتبر البابليون وقبل ظهور الأديان التوحيدية أن رقم سبعة هو رقم الكمال، وكانت الأبراج البابلية مكونة دوماً من سبعة طوابق، كما كانوا يستخدمون العدد للتعبير عن أكبر قوة وأعظم قدرة.
جاءت اليهودية فاعتبرت الرقم عينه مثالاً لتمام الكمال الروحي، حيث تشير التوراة إلى أن الله خلق العالم في سبعة أيام، ورأى في النهاية أن كل شيء حسن، ولا يمكن أن يضاف إليه. أما المسيحية فهي زاخرة بدلالات الرقم سبعة من أسرار وطقوس وقراءات جميعها تربط الكل في مفهوم الواحد، أي فلسفة الاتحاد الكوني عينها.
إسلامياً، نجد في القرآن الكريم ذكراً لعدد السموات السبع والأراضين السبع أيضاً، كما أن آيات سورة الفاتحة سبع، وأشواط الطواف سبعة، فيما الصفات النورانية التي يكتسبها الإنسان بعد تبديل جوارحه فهي سبعة وهي «الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام».
أثبت الاتحاد الإماراتي السباعي صدق هذه الفلسفة الروحانية القائمة وراء العدد سبعة، ذلك أن ما جرى طوال نصف القرن الماضي، ليس ذوبان سبعة كيانات في بعضها، إنما التجلي الحقيقي اتضح جلياً في روح وحدتها بحيث يجمعها سر واحد من النماء والاستقرار، النظر إلى المستقبل في ثقة، ومن غير تخل عن التراث بما يحويه من كنوز، وبدون تصارع أو تنازع مع الحداثة بكافة مبانيها ومعانيها، اتحاد في الأرواح قبل الجسوم، في السراء والضراء، في اليسر والعسر، إنها ذات الروح الكونية التي تحدث عنها، تيار دي شاردان، قبل أكثر من سبعة عقود، والتي يمكن للمرء أن يلمسها اليوم في مسيرة الإمارات والإماراتيين، والتي يوقن الناظر أنها مسيرة مستمرة مباركة في الحال والاستقبال.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©