حظي موضوع التنمية باهتمام واسع من قِبل الدول والمنظمات والهيئات والمعاهدات الدولية عموماً، ودولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص، إذ عُقدت الكثير من المؤتمرات والقمم العالمية التي عالجت قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تخدم العملية التنموية وتحقق أهدافها، وفي هذا السياق تعد «قمة المنتدى العالمي للهجرة والتنمية»، التي أُطلِقت عام 2006، بهدف تشكيل مسار تشاوري يُعنى بالتعاون بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إحدى أهم القمم الفاعلة في ربط موضوع الهجرة بعملية التنمية، على الصعد: المحلية والإقليمية والدولية.
ولأن دولة الإمارات شريك فاعل في قضايا التنمية العالمية، انطلقت تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، الإثنين 18 يناير الجاري، أعمال «قمة المنتدى العالمي للهجرة والتنمية» افتراضيّاً في دورتها الثالثة عشرة، تحت شعار «مستقبل التنقل البشري.. شراكات مبتكرة لتنمية مستدامة»، برئاسة دولة الإمارات التي تعدّ أول دولة خليجية ترأس المنتدى، الذي تنتهي أعماله، اليوم الثلاثاء 26 يناير، بمشاركة شخصيات وقيادات دولية رفيعة المستوى، وأكثر من 2000 ممثل لأكثر من 100 دولة ومنظمة دولية، وذلك في سعي إلى تحقيق الأهداف المتعلقة بالهجرة الدولية ضمن أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، التي تعترف بمساهمة الهجرة في التنمية المستدامة، ويتمحور المبدأ الأساسي لها حول ضرورة «عدم التخلي عن أحد» بمن في ذلك المهاجرون.
ترؤس دولة الإمارات القمة هذا العام يأتي في سياقات موضوعية وزمنية مهمّة، تؤكد اهتمام الدولة الكبير في البناء على المنجزات التي تحقّقت منذ انطلاقة المنتدى وحتى يومنا هذا، إلى جانب تأكيد قدرة الدولة على اعتماد سياسات تنموية مكّنتها من تحقيق مكانة متقدّمة لها عالميّاً في المجالات التنموية على الصعد كافة. كما تأتي أهمية عقْد المنتدى في هذه المرحلة، في أنها جاءت في وقت تعاني فيه دول العالم تداعيات جائحة «كورونا» التي أفرزت مجموعة من التحديات، وتحديداً تلك المتعلقة بتنامي معدلات البطالة العالمية، وتراجع الواقع المعيشي للأفراد، اجتماعيّاً واقتصاديّاً، ولأجل ذلك كانت أعمال القمة منسجمة مع أهداف التنمية المستدامة حول «تسهيل الهجرة والتنقل المنظم والآمن والمنتظم والمسؤول للأشخاص، من خلال تنفيذ سياسات الهجرة المخطّط لها والمدارة بشكل مسؤول».
ويُنظر إلى عقْد القمة هذا العام بأهمية كبيرة، كون التداعيات التي تسبّبت بها الجائحة على سوق العمل العالمية، أسهمت في تراجع معدلات التنمية، وأثّرت سلبيّاً في معدلات الإنتاج والنمو العالمي. وفي هذا السياق ركّزت القمة على ضرورة تكوين الشراكات الدولية في سبيل إنعاش التنمية الاقتصادية، وتمكين القوى العاملة التي تأثرت بتداعيات الجائحة من مواجهة مشكلاتها، ولا سيما المهاجرة منها، وذلك في ظل انخفاض حركة تنقّل البشر بنسبة وصلت إلى 50 في المئة جرّاء سياسات الإغلاق في ظل «كورونا». كما ركزت القمة، بهدف التخفيف من وطأة تداعيات الجائحة، على مجموعة من القضايا، مثل حوكمة هجرة العمل التعاقدي المؤقت، وبحْث احتياجات التوظيف والتدريب واستثمار التكنولوجيا، لتمكين العمالة المتنقّلة من امتلاك أفضل المهارات، والحد من تنقّلها غير النظامي بين الدول، بما يحقق الأهداف المتعلقة بالهجرة الدولية، ويمكّن من إدارة عمليات الهجرة واللجوء، لمواجهة الجرائم المرتبطة بالعمالة المتنقلة، كالاتجار بالبشر وهجرة العمالة ذات المهارات المنخفضة والمتوسطة.
لقد وفّرت دولة الإمارات من خلال تنظيمها أعمال «قمة المنتدى العالمي للهجرة والتنمية» فرصة مثالية للحكومات وصانعي السياسات والمنظمات الأممية ذات العلاقة، لمناقشة السياسات والتحديات والفرص المرتبطة بملفات التنمية وهجرة العمل التعاقدي المؤقت، انطلاقاً من أهمية جعل القوى العاملة المهاجرة شركاء حقيقيّين في إعادة بناء مجتمعاتها، بعد الضرر الذي وقع عليها منذ انتشار الوباء، وانعكس في المحصلة على واقع شعوبها اجتماعيّاً واقتصاديّاً وتنمويّاً.
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية