يمكن للقيادات السياسية الغربية أن تبرر لشعوبها أحياناً كيف تجبرها الظروف على خوض حرب ما، مثل خوض الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب في أعقاب أحداث 11 سبتمبر للعام 2001، وكذلك دعم «الناتو» مثلاً للحرب في أوكرانيا بإرسال المساعدات المالية والعسكرية إلى الجيش الأوكراني، والخوض في نقاشات مع المعارضة في تلك البلدان حول محاولة دعم حقوق الإنسان في بلد ما، ولكن ذلك كله لا يمنح القيادات السياسية الغربية، على الإطلاق، أية مساحة للتبرير أمام شعوب الدول الأوروبية وأمام شعوب العالم كله، إبقاء العقوبات على سوريا، ليس فقط بعد أن خنقت تلك العقوبات الشعب السوري ووضعته في مأزق اقتصادي لا فكاك منه، بل بعد ذلك الزلزال المدمر الذي أودى بحياة الآلاف وجرح عشرات الآلاف وشرد ما تبقى منهم!
في العام 2011 يمكن تفهّم الاختلاف الدولي حول فرض عقوبات على دمشق بسبب الثورة السورية واندلاع الحرب الأهلية، والتي أدت إلى عقوبات غربية تشمل قيوداً وحظراً نفطياً على سوريا وتجميد أصول البنك المركزي السوري في الاتحاد الأوروبي، وكذلك قيوداً على الاستثمارات هناك. وفي العام 2020 دخل ما يسمى بـ «قانون قيصر» حيز التنفيذ، الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي في منتصف ديسمبر 2019 ووقعه الرئيس الأميركي السابق لاستهداف الأفراد والشركات الذين يقدمون تمويلاً أو مساعدة للحكومة السورية، وكذلك يستهدف الصناعات السورية المتعلقة بإنتاج الطاقة والبنية التحتية، والذي ساهم بشكل كبير في إجبار أكثر من 80% من الشعب السوري على الانزلاق الشديد تحت خط الفقر المدقع، حسب الأمم المتحدة، كما أدى إلى انهيار الليرة السورية في الأسواق الموازية، ونقص شديد وحاد في المواد الضرورية الأساسية وارتفاع حاد في الأسعار وتراجع القوة الشرائية إلى أدنى مستوياتها، وهذا كله، قبل الزلزال، وما زال مستمراً بعد الزلزال الذي حطم آخر طوق للنجاة للشعب السوري! 
كيف يمكن للقيادات السياسية الغربية أن تنام الليل وأن تشرح حقوق الإنسان للمواطن الغربي والشعب السوري مقسوم إلى ثلاثة أقسام: لاجئون ومشردون يبلغ عددهم أكثر من 9 ملايين لاجئ سوري حول العالم، وحسب توقعات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن العام 2023 سيشهد ارتفاع عدد اللاجئين السوريين الذين سيحتاجون إلى إعادة توطين خلال العام المقبل إلى أكثر من مليوني شخص، بنسبة زيادة 36% عن عددهم في عام 2022، والقسم الثاني في الداخل السوري يعاني من أزمة اقتصادية وصحية وعلمية تجعل من حياة سكانه مستحيلة، والقسم الثالث، الذي يعيش في الشمال السوري، فبالإضافة إلى الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة ودمار البنى التحتية يقبعون اليوم تحت حطام زلزال مدمر، يجعل العين تبكي ألماً وحسرة؟
أكثر من أسبوع يمضي على الزلزال في شمال سوريا، وما زالوا يتحدثون عن تخفيف العقوبات الغربية، يتجادلون ويناقشون، وما زال أطفال ونساء وشيوخ سوريا تحت الأنقاض، يفكر قيادات الغرب إذا كان عليهم أن يهتموا بحقوق الإنسان اليوم أم لا، وهل يتعارض ذلك مع عقوباتهم وقيودهم، وجميع المنافذ مغلقة، والطرق مهدمة، وأول شحنة تصل الحدود بعد أسبوع، يتبين أنها مواد تنظيف، حسب وكالات الأنباء! وكما يقول رئيس الهلال الأحمر السوري، خالد حباوباتي، يحتاجون إلى «رفع العقوبات الأحادية عن سوريا لإزالة تداعيات الزلزال المدمر»، ويحتاجون فوراً إلى رفع الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، حيث يحتاجون «معدات ثقيلة وسيارات إسعاف وفرق إطفاء لتسريع عمليات البحث والإنقاذ»، فكيف يعرف المواطن الغربي اليوم أن السوريين لغاية الآن يضطرون إلى إزالة الركام بأيديهم، ويستخدمون أبسط الأدوات، لعدم توفر معدات خاصة لهم؟!
لن نمتدح دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها السياسية والدبلوماسية التي بادرت قبل الزلزال وأثناءه وبعده بمد يد العون الكاملة والشاملة إلى سوريا والوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق في محنه الكثيرة الخانقة، فالدوافع الإنسانية والدينية والقومية لدى دولة الإمارات تجعلها مؤمنة إيماناً كلياً بضرورة عودة سوريا إلى الحضن العربي والدولي، وضرورة العمل السياسي والدبلوماسي على رفع جميع العقوبات عن سوريا الشقيقة، وبدون شك أو تردد، لابد من تقديم كل مساعدة ممكنة للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية وآثار الزلزال المدمر على الشعب السوري.

* لواء ركن طيار متقاعد