مرة أخرى، يقدم دونالد ترامب وعوداً كبيرةً بشأن التجارة. ويؤكد أنه إذا تم انتخابه رئيساً في عام 2024، فسيفرض رسوماً جمركيةً جديدةً من شأنها «القضاء على العجز التجاري الهائل» و«إعادة ملايين الوظائف الأميركية» إلى الديار، و«جلب تريليونات الدولارات إلى وزارة الخزانة الأميركية من الدول الأجنبية». ويقول إن تدفق الأموال هذا سيسمح بتقليص الضرائب على المنتجين الأميركيين.

لكن ما علينا إلا الاستناد على سجل إدارته حتى نعرف أن هذه الآمال خائبة لا محالة. فمن حيث السياسات، فإن سجل ترامب في التجارة فاشل إلى حد كبير، لكن رسالته كانت ناجحة سياسياً، وقد تصيب هذا النجاحَ مرةً أخرى. وتوقعات ترامب بشأن تدفق الوظائف والإيرادات الاتحادية غير منطقية، لأنه كلما زادت فاعلية الرسوم الجمركية في حماية الشركات الأميركية، قلَّ المالُ الذي ستجمعه

. فليس بوسعك فرض ضريبة على الاستيراد الذي منعتَ حدوثَه. وكي تجني من الرسوم مالا كثيراً، يجب أن تظل الوارداتُ مرتفعةً. ولذا ما عليكم إلا وضع توقعاته فوق كومة وعود ترامب التجارية التي لم يف بها.

واتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، المعروفة باسم نافتا، لم تنته كما زعم. لقد تم تحديثها وتعديلها فحسب. وتوقع بيتر نافارو، أحد كبار مساعدي ترامب لشؤون التجارة، أن الرسوم الجديدة لن تؤدي إلى أي انتقام من دول أخرى. بل انتقم الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا والهند والصين جميعاً، وفي حالة الصين تعين إنفاق جميع عائدات الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية تقريباً على رعاية المزارعين الأميركيين الذين أصبحوا ضحايا الحرب التجارية. وربما كانت الرسوم الجمركية على الواردات الصينية تستحق كلفتَها، في مقابل كونها ربما دفعت الصينين إلى التوقف عن السطو على حقوق الملكية الفكرية، أو تقليص الإعانات الصناعية أو تحسين سلوك الصين بطريقة أخرى.

وكان الالتزام الرئيسي الذي فاز به ترامب من الصين هو شراء مزيد من المنتجات الأميركية، وخاصة المنتجات الزراعية. ولم تفِ الصين، بسبب فيروس كورونا جزئياً، بتعهداتها في الصفقة. وما تزال رأسمالية الدولة في الصين كما هي. وكان من المفترض أن تعزز الرسوم الجمركية فرصَ العمل في الداخل من خلال تقليص العجز التجاري. ولم يحدث هذا.

وفي العام الأخير لترامب في منصبه، كان العجز التجاري أعلى مما كان عليه في العام الأخير لباراك أوباما في منصبه، سواء من حيث القيمة المطلقة أو كنسبة من الاقتصاد. وارتفع العجز التجاري في قطاع التصنيع في ظل إدارة ترامب، وهو عنصر كان يوليه ترامب اهتماماً خاصاً. لكن أياً من هذه النتائج لم تؤد إلى أي تحد سياسي خطير لسياسات ترامب التجارية. وبدلاً من ذلك، أصبحت رسومه عنصراً يحظى بإجماع من الحزبين. وحين تولى بايدن المنصبَ، مسح السجل المخيب للآمال حول الرسوم وقرر التمسك بها.

وتم تعديل الحواجز التجارية التي فرضها ترامب على الصلب والألمنيوم من أوروبا وبريطانيا واليابان ومناطق أخرى، لكن لم يتم إلغاؤها. وما زالت الرسوم الجمركية على الواردات الصينية قائمة. وصوت حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، المنافس المحتمل الرئيسي لترامب على ترشيح الحزب الجمهوري، بما يتماشى مع بقية أعضاء حزب ما قبل ترامب حين كان عضواً في مجلس النواب الأميركي، وساعد في إقرار مشروع قانون يمنح الرؤساء سلطةَ التفاوض على الاتفاقيات التجارية. وحالياً، ينتقد منظمة التجارة العالمية وسذاجة السياسة التجارية الأميركية السابقة تجاه الصين.

وانتقاد ديسانتيس لغزوات ترامب الحمائية أكثر من انتقاده لأي شيء آخر فعله ترامب. وباختصار، يحدد ترامب وتيرةَ كلا الطرفين بشأن قضايا التجارة. وهذا ليس بسبب تحول الرأي العام بعيداً بشكل ملحوظ عن التجارة. فقد وجدت جالوب أن الأميركيين أكثر ميلاً إلى اعتبار التجارة فرصة، وأقل احتمالية لاعتبارها تهديداً، مما كانوا عليه قبل عشر سنوات. وهذا صحيح بشكل خاص بين «الديمقراطيين».

ومع ذلك، يفخر بايدن بنفسه في الحفاظ على تضامنه مع النقابات العمالية، وما زالوا حريصين على القيود المفروضة على التجارة. كما أنه لا يروقه أن يوصف بالتساهل مع الصين. وكلا الحزبين قد قررا فيما يبدو أن الحمائية تستقطب مجموعةً مهمةً من الناخبين المؤيدين، وهم البيض من الولايات الصناعية بدون شهادات جامعية، وبالتالي فهي خطاب رائج ورابح. هذا لا يعني بالضرورة أنه ستكون لدينا حواجز تجارية أكثر بكثير في المستقبل. وحتى ترامب الذي كان أكثر حمائيةً من أسلافه، لم ينفذ كل صخبه.

ولهذا السبب نجت، إلى حد كبير، اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية التي وصفها بأنها أسوأ صفقة تجارية أبرمتها الولايات المتحدة على الإطلاق. ومن شبه المؤكد أن الكونجرس يفتقر إلى الأصوات لإقرار زيادة كبيرة في التعريفات أو الانسحاب من الاتفاقيات التجارية، ولن يتغير ذلك على الأرجح في الانتخابات المقبلة أو التي بعدها.

والاقتصاد الأميركي، وفقاً للتدفقات التجارية، معولم أكثر من أي وقت مضى. لكننا لن نشهد تحريراً كبيراً للتجارة أيضاً، حتى مع قيام الصين وآخرين بعقد صفقاتهم التجارية. وسياسات التجارة ستصبح في صالح ترامب في 2024 بغض النظر عن مدى قلة ما يستطيع تحقيقه من مزايا في هذا المجال.

*كاتب وزميل في معهد أميركان إنتربرايز.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيشن»