ذكرت في مقالتي الأسبوع الماضي أن «تراكم الوعي بالتفوق» هو ما يسهم في استمرارية التفوق.

وضربت مثلاً بالفريق اللبناني لكرة السلة، فمن بين الفرق الوطنية الرياضية اللبنانية، يبرز فريق كرة السلة وكأنه لا علاقة له بالمتوسطات اللبنانية من قريب أو بعيد. كنت أتجادل أنا وأحد أصدقائي قبل سنوات حول أداء المنتخب الوطني لكرة القدم في بلاده. يظن صديقي أن الأجهزة الرياضية الحكومية قادرة على صناعة فريق كروي قادر على منافسة الفرق المتقدمة عالمياً في هذه اللعبة والحصول على كأس العالم.

يظن أن الخبرات الفنية العريقة المستوردة لإدارة المنتخب، والمبالغ المصروفة على إعداده وتجهيزه كفيلة بأن تجعله في الصف الأول على مستوى لعبة كرة القدم عالمياً. يظن صديقي، ومعه كل الحق، أن المخرجات يجب أن تتوازى مع المدخلات، فما دامت الأجهزة الرياضية في بلاده تصرف على الفريق مبالغ مالية توازي ما يُدفع لإعداد المنتخبات الشهيرة في هذه اللعبة، والتي فاز بعضها بكأس العالم، فإن فرصة المنافسة على المقاعد الأولى قائمة بقوة لتشابه الظروف الآنية.

وكنت أجيبه دائماً أن «الحسبة» لا تستقيم بهذا الشكل. كنت أقول له إن مستوى منتخب بلاده لن يخرج عن «حزمة متوسطات» بلده، حتى وإن تفرد دون سواه بدعم مالي كبير واستقدمت من أجل تطويره خبرات عالمية مشهود لها في هذا المجال.

كنت أقول له، إن مستوى واحترافية كرة القدم في بلاده يدوران في فلك مستوى وقيمة ما تنتجه بلاده في مجالات الفن السينمائي والصناعة الإلكترونية والمحتوى الثقافي وحركة النشر والموسيقى والخدمات الطبية وقدرات شركات الكهرباء والمياه... إلخ. في كل بلد يوجد خط متوسطات يمتد على طول البلاد، ترتفع عنه بقليل، أو تنخفض دونه بقليل كل النشاطات المجتمعية، صانعة بذلك موقع هذا البلد على خريطة التطور العالمية.

صحيح أنه يمكنك إحداث الفارق، في حال ركزت بشكل أكبر على مجال معين، لكن هذا الفارق يظل مقيداً بجاذبية المتوسطات، لأن كل النشاطات في بلد ما، سواءً أكانت اقتصادية أو اجتماعية أو فكرية أو ثقافية أو حتى دينية، ترتبط بشبكة معقدة من العلاقات، تجعل من الصعب على أحدها التحليق بعيداً عن بقية المجموعة. يمكن أن تتطور! نعم، لكن بعد سنوات من التركيز المباشر والرعاية الدائمة. يمكن لمنتخبك أن ينافس عالمياً! نعم، ما المانع، لكن ذلك يستوجب أن ينشأ اللاعبون في بيئة اجتماعية تتبنى نظرية «النوم عند الساعة العاشرة».

يمكن لمنتخبك أن يفوز بكأس العالم! نعم، لكن ذلك يتطلب أن يلتزم اللاعبون المحترفون في ملاعبهم، كما يلتزم العامل في مصنعه والمدرس في مدرسته والباحث في مختبره! لكن، وكنت أردد دائماً هذه «اللاكن» على مسامع صديقي. لكن، لكل قاعدة استثناء. واستثناء نظرية «المتوسطات المجتمعية» التي أوجدتها من خلال مشاهداتي، يتمثل في «تراكم الوعي بالتفوق».

فمن الممكن أن ينفرد أحد النشاطات بعيداً عن «حزمة المتوسطات الوطنية» ويصبح في مكان أعلى، لكن بشرطين: وجود تاريخ نجاح طويل يسهم في مراكمة الوعي بالتفوق في ذهنية الممارسين له والقائمين عليه، وتوافر شعور وطني داعم يضمن له الدعم المعنوي الذي يُعد بمثابة وقود المبدعين.

*كاتب سعودي