في يوليو الماضي، كتبتُ أن لا بايدن ولا ترامب أفضل مرشحين للتنافس على رئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر 2024، وذلك لأن كليهما كبيران في السن، ولا يتمتعان بشعبية بين مجموعات مهمة من الناخبين. وسيكون من مصلحة حزبيهما اختيار مرشحين أصغر سناً وأكثر قوةً ونشاطاً. ولو تخلى بايدن وترامب عن طموحاتهما في الترشح لولاية رئاسية ثانية، لاستطاع الحزبان تنظيم حملات ذات حمولة سياسية أقل بكثير. ولكن هذا ليس هو واقع الحال. فاليوم، في منتصف نوفمبر، لم تعد تفصلنا عن موعد الانتخابات التمهيدية الأولى في ولايات آيوا ونيوهامبشر وكارولينا الجنوبية سوى بضعة أشهر فقط، وبايدن وترامب هما المرشحان الأوفر حظاً للفوز فيها. وفي الوقت نفسه، أثارت الأحداث الأخيرة وأداء هذين الرجلين مزيداً من الشكوك حول مدى ملاءمتهما وأهليتهما للترشح لأعلى منصب في البلاد. 
فترامب يواجه الآن ما مجموعه 91 لائحةَ اتهام قانونية من مدعين عامين على الصعيدين الفدرالي والولائي تشمل تهماً جنائيةً ومدنيةً مختلفةً. ولعل التهمة الأخطر هي أنه كان مسؤولاً بشكل مباشر عن الهجوم الكبير الذي استهدف مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021، وفشله لاحقاً في إيقاف مثيري الشغب حينما راحوا يخرّبون المبنى، وهددوا بقتل نائب الرئيس مايك بنس. ومن المقرر أن تنطلق محاكمته بخصوص هذه القضية في مارس 2024. وفي حال فشل ترامب في الفوز بالتماس التأجيل، فإن المحاكمة ستُجرى في منتصف الانتخابات التمهيدية. وإذا فاز بهذه الانتخابات التمهيدية، وفي الوقت نفسه حكمت المحكمة بإدانته فإنه فسيضطر نظرياً لخوض حملته الانتخابية من السجن باعتباره جانياً. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه في حال وجدت المحكمة أن ترامب مذنباً، فقد يستطيع مع ذلك الترشحَ لمنصب الرئاسة، إلا أن عدداً كبيراً من «الجمهوريين» لن يصوتوا له بعد ذلك. 
أما مشاكل بايدن فمختلفة تماماً. ذلك أنه يجد نفسَه في قلب عدد من الأزمات الكبيرة في السياسة الخارجية والتي يمكن أن تحكم على رئاسته بالنجاح أو بالفشل. وتشمل قائمة الأزمات الحربين المستمرتين في أوكرانيا والشرق الأوسط، والفوضى في الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، والتحديات المتزايدة التي يطرحها الصعود العالمي للصين (بما في ذلك الصراع حول تايوان). ولا شك في أن هذه الأجندة ستكون مرهِقةً لأي رئيس أميركي بغض النظر عن سنه. غير أنه حتى مع افتراض إمكانية تدبير هذه الأحداث خلال الأشهر المقبلة، فإن السؤال هو ما إن كانت ستكون لدى بايدن أيضاً القدرة على التحمل والقوة لخوض حملة انتخابية وحشية وطويلة؟ بعض أصدقائه ومؤيديه يقترحون أن يركز جهودَه على الأزمات الدولية الحالية وعلى الاقتصاد، على أمل أن يتمكن من إنهاء فترة ولايته بسجل قوي وسمعة طيبة في كتب التاريخ. ولا شك في أن ذلك سيكون أفضلَ مِن خسارة الانتخابات، ودخوله التاريخ رئيساً لولاية واحدة فقط لم يستطع الفوز بولاية ثانية. وهو ما من شأنه أن يضعه إلى جانب رؤساء آخرين تولوا الحكم لفترة ولاية واحدة مثل جيمي كارتر وجورج بوش الأب. 
لكن، إذا أخذنا كل هذه الآفاق القاتمة بعين الاعتبار، فهل هناك أي أمل في مرشحين جدد؟ الواقع أن بايدن وترامب قد يواجهان تحديات حقيقية من طرف ثالث مثل روبرت كينيدي جونيور، الذي حصل على أكثر من 20 في المئة من التأييد في استطلاعات الرأي الحالية. لكن مرة أخرى، يمكن أن تَحدث المفاجآت، وهي غالباً ما تحدث في السياسة. ذلك أن المرض والتدهور الحسي يمكن أن يقعدا كلا الرجلين. وفي حال كان أداء أقرب منافسي ترامب جيداً على نحو استثنائي في الجولات الأولى من الانتخابات التمهيدية، وخاصة نيكي هيلي (السفيرة الأميركية السابقة إلى الأمم المتحدة)، فمن الممكن أن يظهر قدر كبير من التأييد لها بين الجمهوريين المعتدلين. وبالمثل، إذا ارتكب بايدن الكثير من الأخطاء أو اعتلّت صحته، فهناك مرشحون أقوياء محتملون، مثل غافين نيوسم (حاكم ولاية كاليفورنيا) وغريتشن ويتمر (حاكمة ولاية ميشيغن)، أو هكذا يقول المتفائلون!


*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» -واشنطن