قرأت رأياً قبل أيام لأحد الخبراء الإعلاميين المخضرمين في الخليج يقول فيه، إن الإعلام المحلي مقصر في مواجهة الحملات الإعلامية السامّة الموجهة ضد دول الخليج. والحقيقة أن هذا الانطباع المتجذر في نفوس الكثيرين، خبراء وغير خبراء، هو لب المشكلة، وهو السبب الرئيسي، في تقديري، لفشل المنظومات الإعلامية المحلية في إيجاد حلول جذرية لهذه الإشكالية القديمة التي تَرافق ظهورها مع بدايات نهضة دول الخليج قبل أكثر من 50 عاماً.
ويظن ذلك الخبير الإعلامي أن الهجمات الإعلامية الموجهة ضد دول الخليج، من دول أو كيانات سياسية شرعية وغير شرعية، ستتلاشى أو يضعف تأثيرها بمجرد مواجهتها بمواد إعلامية مصنوعة لهذا الغرض تحديداً. كما يظن أن المسألة هي أشبه بمباراة بين متنافسيْن، ينتصر فيها الأقوى، ويصمت فيها الأقل قوة!
ولمّا لم تتوقف هذه الحملات الموجَّهة بانتظام للفضاء الخليجي، فإن صاحبنا وغير صاحبنا كثير، لا يجدون مَن يلقون عليه اللوم سوى الإعلام المحلي وأدواته! لماذا؟ لأنهم يعلمون علم اليقين أن حرب «الكلام والبيانات» تجيئنا على مدار الساعة على عربات الإعلام المعادي، وبالتالي فلابد لإعلامنا أن يحمل «كلامنا وبياناتنا» على مدار الساعة، لإيقاف هذا السيل من المعلومات المغلوطة والتصورات الحاقدة المليئة بالغل والسواد!
الحملات الموجهة من الخارج ضد دول الخليج يتعرض لها ثلاثة أنواع من الجماهير، الجمهور المتضامن، وهذا لن يغيّر رأيَه في مواقف دول الخليج الذي بناه قبل تعرضه لمواد هذه الحملات، إلا في حال تعرضه لتيار قوي ومستمر من «مفردات إعلام موجه» طوال الساعة! وجمهور مقاوم، لا يتأثر بهذه الحملات لإيمانه الشديد بخيرية دول الخليج وسلامة موقفها تجاه شعوبها وتجاه دول العالم. وجمهور محايد، لا يملك رأياً محدداً حول ما يثار عن دول الخليج، أو يملك رأياً سطحياً ليس على استعداد لتعميقه أو التخلي عنه. وجمهور جاهل، لم يسمع بهذه الحملات لبُعده الثقافي أو الجغرافي عن المنطقة.
وكل نوع من أنواع هذه الجماهير بحاجة إلى أدوات اتصالية خاصة لتصحيح مفاهيمها أو لإدخال مفاهيم جديدة في ذهنيتها أو ترسيخ المفاهيم التي تؤمن بها.
الجمهور المتضامن مع الحملات مثلاً، لن تقنعه ردودك الإعلامية لأنه يركب أصلاً في نفس العربة التي تحمل المدافع الإعلامية الموجهة ضد دول الخليج. مثل هذا النوع من الجمهور يتأثر فقط بالإعلام الموجه، لكن مثلما نعرف لا يمكن اختصار الإعلام في مسارات موجهة وإلا فإنك ستحتاج إلى آلاف المنافذ الإعلامية التي يخاطب كل منها شريحةً صغيرة.
الجمهور المقاوم يتناغم مع إعلامك الحالي ويصدِّق رسائلَك ويؤمن بصدقية مواقفك وبالتالي لا حاجة لتغيير ما هو قائم أصلاً.
أما الجمهور المحايد، فهو بعيد نوعاً ما عن حقيقة ما يحدث في المنطقة، وبالتالي فهو غير مهتم كثيراً برسائلك الإعلامية الموجَّهة سواء أكانت دفاعاً عن موقفك أو هجوماً على مواقف الآخرين!
أما الجمهور الجاهل، فهو قريب الشبه بالجمهور المحايد، مع وجود اختلاف صغير يتمثل في خطورة التحدث إليه برسائل تحمل ردود أفعال لأفعال هو على غير دراية بها في الأصل.
كل هذه الأنواع الأربعة من الجمهور لا تحتاج لإعلام قوي يتحدث لها. هي إما تحتاج لإعلام موجه وهذا مستحيل التحقق، أو تحتاج لأدوات اتصالية أخرى تختلف اختلافاً جذرياً عن «الاتصال الجماهيري»، تكون قادرة على إعادة تشكيل المفاهيم العامة على مدى سنوات من العمل الجاد والمستمر.

*كاتب سعودي