هناك سؤالان ملحّان بشأن المسلسل العربي «زوجة واحدة لا تكفي». وقلت «العربي» حتى لا أنسبه إلى جنسية معينة. السؤال الأول، هل كانت الرقابة الإعلامية الحكومية ستتحرك وتتعامل مع المسلسل بمثل ما تعاملت لو لم تثر أية ضجة عن المسلسل في وسائل التواصل الاجتماعي؟ والسؤال الثاني، هل على الفن أن يجمّل المجتمعات التي هو منها، أم عليه إظهار الواقع بكل متناقضاته؟
الإجابة التي تعودنا عليها مؤخراً للسؤال الأول تتمثل في حرفين فقط: لا! لو لم تُثر قضية المسلسل في وسائل التواصل الاجتماعي لما تحركت الأجهزة الحكومية، ولما تدخلت بإبداء عدم الرضا عن فكرة المسلسل وقصته! هل هذا يعني أن صوت وسائل التواصل الاجتماعي على حق؟ وهل يعني أن الأجهزة الإعلامية الحكومية التي قامت برد فعل لهذا الصوت على حق؟ الحقيقة أن كلا الطرفين ليسا على حق، فأصوات الجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا تمتلك أدوات الناقد الفني لتحكم على عمل يحكي قصة شريحة معينة من الناس، وهي أيضاً لا تُمثل رأياً عاماً يمكن احترامه، لأنه من السهولة بمكان أن يحشد أحدهم مئات أو آلاف الأصوات التي تنهى عن فعل معين أو تدعو لفعل معين.
مجموع أصوات الجمهور ليس هو من يحكم على الأعمال الفنية من خلال فضاء عام يشبه المقاهي وجلسات الحدائق المفتوحة ومحطات القطارات والمطارات التي تجمع الغرباء وتفرّقهم في ذات اللحظة. وأعنى فضاء وسائل التواصل الاجتماعي. تذوق الأعمال الفنية، سواء كانت مكتوبة أو مرسومة أو مصورة، هي تجربة تتم بين ذائقة وعقل المفرد والعمل الفني! المجموعة لا تعمل عندما يتعلق الأمر بعمل فني. المفرد هو عنصر الحالة وسيدها. صحيح أن بعض الأعمال الفنية لا تجد قبولاً في الفضاءات العامة، لكن ذلك ليس بسبب رفض المجموعة، وإنما بسبب عدم قبولها من المفرد الذي صار مفردات، ثم استحال إلى إجماع لا مجموعة.
هذه نصف إجابة للسؤال الأول، أما النصف الثاني، فمن الخطر جداً أن تنزلق الهيئات والمنظمات والأجهزة العامة في مزالق الاستجابة السريعة لكل ما يُطرح في وسائل التواصل الاجتماعي، لأن تدخل هذه الأجهزة في «الترندات المؤقتة» يُلغي خاصية «التصحيح الذاتي» التي تتمتع بها المجتمعات الصحيّة.
المجتمعات بطبعها تبقي دائماً كَفَتيّ وجودها متزنةً، وبالتالي فالآراء المنطقية يقابلها دائما آراء غير منطقية، والآراء غير المنطقية يقابلها آراء منطقية، هكذا على الدوام، ما لم تتدخل جهة خارجية تغيّر من الطبيعة البكر لأية مجتمع.
وإجابة للسؤال الثاني، فإن قيمة الفن الحقيقية هي استخدام العدسات المكبرة للتركيز على أمر ما. فمثلما يفعل فنان الكاريكاتير عندما يبالغ في رسم الأنف الضخم أو الذقن الكبير، فإن القصة أو الرواية أو القصيدة تُبالغ في إظهار موقف معين أو حالة معينة لجذب الانتباه لها. كما أنها تختار نقاطاً صغيرة في لوحة المجتمع للتركيز عليها.
أضحك كثيراً على من يردد دائماً أن المسلسل أو الرواية أو القصة لا تُظهر حقيقتنا. نعم يا سيدي، العمل الفني لا يُظهر حقيقتك، وليس دوره أن يظهر حقيقتك. هذه من أدوار أجهزة اتصالية أخرى. الفن دوره أن يخاطب «اللحظة المتوترة» في وجدانك. يربت على كتفيها إن شئت، أو يشعل ناراً تحت قدميها إن شاءت.
*كاتب سعودي