لا شك أن زيارة السلطان هيثم بن طارق للإمارات محطة بارزة في المسار الأخوي للعلاقات الثنائية التي تربط بين البلدين، ودفعة قوية لها، وخصوصاً على صعيد الاقتصاد بما يتضمنه من استثمار وتجارة ومشاريع تخدم الأولويات التنموية التي من شأنها أن تعزز اقتصاديهما وازدهارهما كذلك، كما تعود بالنفع على العمل الخليجي المشترك، وتحديداً في ظل التحديات التي يشهدها العالم ككل في هذا الظرف العالمي الاستثنائي. 
ثم إن تلك الزيارة وما سيترتب عليها من تقدم في العلاقات الثنائية لها أهمية كبرى من جهة تحقيق المصالح المتبادلة لدول مجلس التعاون، ومن بينها أمنه وأمن المنطقة واستقرارها. 
من جهة ثانية، تعكس هذه الزيارة عمق العلاقات بين الإمارات وعُمان في إطار وحدة التاريخ والمصير، وعلى ضوء ما ترسخ في وجدان الأجيال بأن العلاقات بين البلدين الشقيقين تاريخية لكون الشعبين العُماني والإماراتي يربط بينهما نسيج اجتماعي - ثقافي مشترك، نظراً للتجاور، ولصلات القربى التي تجمع بينهما.

ولكثير من الاعتبارات، يمكن النظر إلى المشتركات بين أبناء عُمان والإمارات على أنها قاعدة راسخة لتطوير العلاقات باستمرار لما في ذلك من مصلحةٍ للشعبين والبلدين، وهو ما بحثه سلطان عُمان ورئيس الدولة، إضافة إلى بحثهما القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك. 
ولا نستغرب أن يُعقد على هامش هذه الزيارة ملتقى الأعمال الإماراتي- العُماني بهدف تعزيز الشراكات الاستثمارية للبلدين، والذي أفضى إلى إعلان عدد من الاتفاقيات التي بلغت قيمتها 129 مليار درهم، ما يعني أن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين ستشهد خلال الفترة القادمة تطوراً ملحوظاً بعد التطور الذي شهدته عقب عام 1991 مع تأسيس اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، والتي عملت على تعزيز التعاون بينهما على مبدأ المصلحة المتبادلة والمشتركة في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والتربوية وبعض الجوانب الخدمية، ومن بينها الكهرباء والنقل البري وإجراءات الانتقال بين الدولتين عبر مختلف المنافذ الحدودية.
ومن غير المبالغة القول إن الدولتين شريكتان متميزتان، وهو ما تعكسه مؤشرات النمو المستمر في حجم التبادل التجاري والاستثماري بينهما خلال السنوات الماضية، فالصادرات العُمانية إلى الإمارات خلال عام 2023 تجاوزت مليار ريال عُماني (أي ما يعادل نحو 2.610 مليار دولار، و9.579 مليار درهم إماراتي) مسجلة بذلك زيادة بنسبة 20.4% مقارنة بالعام الذي سبقه، حيث تعتبر السلطنة أحد أهم أسواق التجارة الإماراتية، وتأتي في المرتبة الثالثة عربياً والعاشرة عالمياً ضمن قائمة الشركاء التجاريين للإمارات، وتستحوذ على 20% من إجمالي تجارتها نظراً لسهولة نقل البضائع وانسيابية انتقال المنتجات الوطنية وحريتها بين البلدين عبر المنافذ البرية، لكن لا يزال البلدان يمتلكان آفاقاً واسعة لزيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري فيما بينهما بعد توقيعهما على 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات مختلفة. 

البيان المشترك الذي صدر في ختام زيارة سلطان عُمان لدولة الإمارات أكد على تعزيز نتائج الزيارة التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان للسلطنة عام 2022، والتي دشنت مرحلة جديدة من التعاون والشراكة الاستراتيجية بين البلدين داخلياً. أما على الصعيد الإقليمي وفي سياق التطورات التي تشهدها المنطقة، فإن دعوة الجانبين الأطراف الإقليمية للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس لتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر التصعيد، إنما هو تأكيد منهما على ضرورة الالتزام بالقوانين الدولية، وحل الخلافات عبر الدبلوماسية والحوار، مع تجديد مطالبتهما الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالاضطلاع بمسؤولياتهما بتعزيز الأمن والسلم الدوليين. 
إن تقوية التنسيق بين الدولتين يمتن دعائم الأمن والاستقرار فيهما، ويخدم المصالح المشتركة بينهما على وجه الخصوص، وفي دول مجلس التعاون بشكل عام، وهي مسألة تعزز فرص الازدهار والنماء لشعوب المنطقة، وهو ما نتمناه ليس لنا فقط، إنما لجميع الدول أيضاً، وفي ذلك منفعة للناس واستقرارهم.