يُعد الأمن المائي إحدى القضايا ذات الأولوية في شتى دول العالم، ولا سيَّما الدول الواقعة جغرافيّاً في المناطق الجافة وشبه الجافة. وتُعرف المناطق الجافة بأنها المناطق التي تتساقط فيها الأمطار بمعدل يقل عن المتوسط مقارنة بالمناطق الأخرى المعتدلة والرطبة، وتواجه هذه المناطق احتمالات جفاف أشد مع زيادة معدلات درجات الحرارة، وما ينجم عنها من ظواهر جوية شديدة ومفاجئة مثل الأمطار الغزيرة في مُدد قصيرة، وما يصاحبها من فيضانات سريعة، تتبعها مراحل جفاف طويلة وغير معلومة المدة.
وتضع دولة الإمارات العربية المتحدة استراتيجيات تُحدَّث باستمرار للمحافظة على الأمن المائي برغم التغيرات الطبيعية والاقتصادية؛ إذ تحرص على متابعة جودة مياه الخزانات المائية الطبيعية، ومعالجتها، وتقليل استخدامها بهدف تعافيها من النقص الكمي والنوعي؛ وتخصص ميزانيات كبرى للاستثمار في الموارد المائية غير التقليدية، مثل تحلية المياه، والمياه المعالجة، وتطوير السدود الوظيفية وصيانتها.
ليس هذا فحسب، بل تحرص دولة الإمارات على دعم موضوعات البحث العلمي التطبيقي الخاص بتطوير التكنولوجيا الموفرة للطاقة والصديقة للبيئة في تأمين الموارد غير التقليدية للمياه؛ ما ساعد على تقليل استهلاك المياه في العامين الماضيين برغم زيادة عدد المستهلكين.
وحثَّت الحكومة الإماراتية المؤسسات التعليمية على إدراج ثقافة الاستدامة والأمن المائي وعلاقتهما بالطاقة النظيفة والحياد الكربوني في المناهج الدراسية الجامعية؛ ما أثمر طرح مساقاتٍ إلزامية تناقش مبادئ الاستدامة، وما يتعلق بها من استراتيجيات وخطط تنتهجها الدولة لتحقيق أهدافها في الاستدامة.
وتتميز دولة الإمارات العربية المتحدة بمرونة عالية في الاستجابة للمعطيات المفاجئة في شؤون الثروة المائية؛ إذ بدأت تستغل المُدد القصيرة للأمطار الغزيرة فيما يسمى مشروعات حصاد الأمطار، وعكفت على دعم تطوير أدواتها ببناء مزيد من السدود الوظيفية المغذية للخزانات الأرضية، وزيادة سعتها؛ ما أسهم في زيادة كمية الأمطار الداخلة للأرض، وتقليل كمية المياه الجارية المعرضة للتبخر في مناطق عدة من الدولة. ولا تزال هذه المشروعات قيد البحث والاختبار والتطبيق التدريجي باستخدام التجارب المخبرية والنماذج الرقمية وتنبؤات المحاكاة الرقمية والذكاء الاصطناعي؛ ما يكفل انتقاء التقنيات الأكثر كفاءة وملاءمة لكل منطقة على حدة.
ولا تقتصر جهود دولة الإمارات على حصاد مياه الأمطار، بل تمتد إلى إيجاد مصادر جديدة للموارد المائية أيضاً عن طريق معالجة المياه وتدويرها؛ بحيث لا تُهدَر قطرة واحدة قبل استنفاد جميع التقنيات المتوافرة والمبتكرة لمحاولة حفظها، وإعادة استخدامها لأغراض تتناسب مع مستوى جودتها.
ونتيجةً للجهود الكبرى التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد الأمن المائي؛ فقد أصبحت تملك خزاناً مائيّاً مستداماً، هو خزان وادي البيح في رأس الخيمة، الذي استعاد عافيته بتقنيات السدود المغذية التي بدأ تطويرها منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهو مثال واحد من بين أمثلة عدة ناجحة في مشروعات دولة الإمارات الرامية إلى تعزيز الأمن المائي، الذي يُعد هدفاً قابلاً للتحقق ما دام مدعوماً بمرونة الاستراتيجيات الحكومية، وقوة البحث العلمي، وتثقيف المجتمع المحلي، وتعاون القطاعات ذات الصلة.
*أستاذة مشاركة في قسم علوم الأرض، ومديرة المركز الوطني للمياه والطاقة بجامعة الإمارات العربية المتحدة