أصبحت ضريبة القيمة المضافة التي طبقت منذ أكثر من خمس سنوات في بعض دول مجلس التعاون الخليجي جزءاً مهماً من النظام الضريبي في هذه الدول، كما أضحت جزءاً أساسياً من إيرادات الموازنة العامة للدولة.. مما ساهم في تنوع الموارد وقلل اعتمادَها على مداخيل النفط وعزز الاستقرار المالي. وهو ما لقى ترحيباً وإشادةً من المنظمات الدولية المتخصصة.
وفي حين أن بعضَ دول المجلس لم تعتمد بعدْ ضريبةَ القيمة المضافة، لأسباب خاصة بها، فإن السنوات الخمس الماضية بينت العديدَ من الحقائق والفروقات بين الأخذ بهذه الضريبة من عدمه. ففي مسح قمنا به مؤخراً لأسعار بعض السلع المعمرة، كالسيارات والإلكترونيات في كافة دول المجلس، تبين أن أسعار هذه السلع قريبة من بعضها البعض لدرجة التطابق، علماً بأن نسبة القيمة المضافة بدول المجلس تتراوح بين 5 و15%، حيث تتفاوت هذه النسبة في كافة التكتلات والاتحادات الاقتصادية، كالاتحاد الأوروبي.
واللافت للنظر هو مستوى أسعار السلع المعمرة شبه الموحد بين دول المجلس التي تطبق القيمة المضافة والتي لم تعمل بها حتى الآن! مما يتيح الخروج باستنتاجات حول عوائد القيمة المضافة وأهميتها، إذ يتبين بوضوح أن هذه العوائد، والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات وفق حجم اقتصاد كل بلد خليجي، تعود لخزينة الدولة في البلدان التي تطبق الضريبة، في حين تكون من نصيب البائع في حالة عدم التطبيق، مما يفوت على ميزانية الدولة مصادر إيرادات مهمة ومستدامة تقوم بدور توازن مهم أثناء تقلبات أسعار النفط كممول الأساسي للميزانية.
ويعني ذلك أيضاً أن المستهلك في الدول التي لم تطبق الضريبة لم يستفد من غياب ضريبة القيمة المضافة، والتي ساهمت في زيادة أرباح البائع الذي يحصل على عوائد مجزية لغياب أشكال الضرائب الأخرى.
لقد حالت بعض المجالس التشريعية دون الأخذ بهذه الضريبة، والتي تأتي ضمن الإصلاحات المالية التي لا بد منها للتحضير لفترة ما بعد النفط، حيث تتطلب المهنية إعادة تقييم القرارات الخاصة بعدم تطبيق ضريبة القيمة المضافة بعد أن أثبتت التجربة عدم استفادة المستهلك النهائي منها، وإن كان يُستثنى من ذلك ضريبة التبغ التي تعدُّ ضريبةً انتقائية ليس لها علاقة بالقيمة المضافة.
وتتطلب إعادة التقييم المهنية نظرةً بعيدةَ المدى تختص بالمستقبل الاقتصادي واستقرار الأوضاع الاقتصادية ووجود موارد مالية ثابتة ودائمة لميزانية الدولة، بعيداً عن النفط كثروة ناضبة، حيث يلاحظ زيادة كبيرة ومتنامية في موارد موازنات الدول التي أخذت بضريبة القيمة المضافة، على العكس الدول التي لم تأخذ بها، والتي ظلت موارد الميزانية غير النفطية فيها ثابتة دون تغيير أو تراجعت طبقاً للأنشطة الاقتصادية غير النفطية.
وهنا تتطلب المهنية أيضاً ضرورةَ الفصل بين النوايا السياسية، وبالأخض الانتخابية منها، وبين المستقبل الاقتصادي الآمن والمستقر الذي تتحتَّم صناعته من خلال إيجاد موارد جديدة ليس فقط للموازنة العامة، وإنما أيضاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولتنفيذ المزيد من المشاريع التي توفر فرصَ العمل، وتساهم في تنويع الناتج المحلي الإجمالي.
لقد أصبحت الإصلاحات المالية جزءاً أساسياً من السياسات الاقتصادية الخليجية في العقد الماضي، إذ لا يمكن الإبقاء على السياسات المالية نفسها التي طُبقت قبل خمسين عاماً، مما يعني الجمودَ وتفويت الفرص وتجاهل التغيرات الاقتصادية الهائلة التي اجتاحت الاقتصاد العالمي خلال العقود الخمسة الماضية، بما فيها التغيرات في مجال الطاقة، والتي تقتضي جميعاً تقليلَ الاعتماد على الوقود الأحفورى، بما فيه النفط، والاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة، مما يتطلب مجاراة هذه التغيرات في إطار الاستعداد للمستقبل بموارد مالية قوية وثابتة. 

*خبير ومستشار اقتصادي