في يوم السابع من شهر مايو الجاري، تم تنصيب فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا الاتحادية لولاية خامسة، وذلك في وقت بلغت فيه العقوبات الغربية ضد روسيا مبلغاً كبيراً، لكن من دون أن تستطيع النيل من أوضاعها الاقتصادية بشكل كبير أو مؤثر. وفي الوقت ذاته فإن روسيا تواصل منذ أكثر من عامين عمليتَها العسكرية المستمرة في أوكرانيا، والتي لا تبدو أي مؤشرات على أن نهايتها صارت وشيكة. وهي عملية يعتقد أنها كلّفت البلدين مئات الآلاف من القتلى والجرحى في مسارح القتال وخارجها، بالإضافة إلى خسائر هائلة في الأصول العسكرية بما في ذلك الدبابات والسفن الحربية والطائرات.
وكان من شأن حرب أوكرانيا أن زادت من الالتفاف الداخلي حول الرئيس بوتين، كما ساعدت على خلق شعور قومي قوي داخل البلاد، وذلك بالتزامن مع تراجع الأصوات المعارِضة وخفوتها بشكل ملحوظ للغاية. كما أصبح المواطنون الروس يميلون إلى إحياءَ إرث جوزيف ستالين الذي حكم الاتحاد السوفييتي في الفترة بين عامي 1924 و1953، حيث أصبح ستالين يصوَّر الآن على أنه شخصية وطنية عظيمة قادت البلاد إلى النصر على ألمانيا، بعد سنوات من التعتيم على تاريخه.
وفي هذا السياق، يلاحَظ أن هناك نقاطاً عدةً تتعلق بستالين وسياساته حيال المواطنين السوفييت قد حُذفت من السرد المتعلق بماضيه بشكل ممنهج.. علماً بأن المؤرخين الروس يقدمون رويات متضاربة حول فترة حكمه.
وفي هذا السياق أيضاً، عادت تماثيل الزعيم ستالين للظهور من جديد، وأصبحت موضع احتفاء من قبل المواطنين الروس، إذ بات يُنظر إليه الآن على أنه «رجل قوي»، مع رسالة مؤداها أن ما تحتاجه روسيا الآن هو قائد قوي أيضاً يعيد روسيا إلى ماضيها المجيد مرة أخرى.
هذا الشعور القومي الروسي المتنامي تتم تغذيته أيضاً بإسهام من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وتعاليمها الدينية، بما في ذلك التركيز على أهمية الأُسرة والحاجة إلى تشجيع إنجاب مزيد من الأطفال بغية التصدي للتحديات الديموغرافية التي تواجهها روسيا. كما يتم التنديد بالسلوكيات المنحرفة، وخاصة المفاهيم الغربية من قبيل مساواة النوع الاجتماعي والاستهتار بأهمية الأسرة. ولعل هذا أحد الأسباب التي تفسّر حديث الأحزاب السياسية اليمينية المتشددة في أوروبا، ومعها تيار من الحزب الجمهوري الأميركي، بشكل إيجابي عن هذه المواقف المحافظة.
وفي هذه الأثناء، يبدو الإعلام الروسي مصمماً، قبل أي شيء آخر، على تصوير الغرب (وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية) على أنه أخطر عدو تواجهه روسيا في الحقبة الحالية من تاريخها. وهو ما يمكن أن يؤدي، على الأقل في نظر النخب الغربية، إلى «حرب باردة» جديدة وإلى تهديدات عسكرية محتملة للدول الغربية الصغيرة في البلطيق بالإضافة إلى مولدوفا وجورجيا.. وهي تهديدات ما فتئت احتمالاتها تتزايد مع استمرار العملية العسكرية في أوكرانيا.
والحال أنه منذ أيامه الأولى كرئيس لروسيا في مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان بوتين يحظى بتقدير معظم الروس لأنه وضع حداً لحالة الجشع والفقر والفوضى التي ميّزت سنوات الرئيس يلتسن الذي حكم روسيا عقب تفكك الاتحاد السوفييتي سنة 1991. كما أن العائدات الكبيرة التي وفرتها صادرات النفط والغاز الطبيعي والمعادن ساعدت على تحسين مستوى معيشة الروس العاديين.. وخارجياً، حُظي الرئيس بوتين لسنوات طويلة باحترام نظرائه الغربيين أيضاً.
لكن موسكو ظلت تنظر إلى الغرب على أنه وراء دعم المعارضة في روسيا، لاسيما منذ عام 2012، عندما بدأ بوتين ولايته الثالثة كرئيس للبلاد، حيث زاد نشاطُ المنتقدين الأكثر تأثيراً، قبل أن يتراجع دورُهم وصولاً إلى نقطة التلاشي والانعدام في ظل التلاحم الداخلي الذي عززته العملية العسكرية في أوكرانيا. 
الصحافة الشعبية الغربية، وخاصة في بريطانيا، تكتب باستمرار قصصاً حول روسيا وأوضاعها الداخلية، غير أن الانتخابات الأخيرة أظهرت مقدار المبالغة في هذه القصص، كما أبانت عن وضع داخلي متماسك وقوي وتحت السيطرة بشكل كامل.

مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»- واشنطن