في هذه الأيام، أفكر كثيراً في دونالد ترامب، خاصة عندما تصدر التقارير الاقتصادية الشهرية، أفكر: هل سيساعد ذلك في انتخاب دونالد ترامب؟ وأعترف بأنني بدأت أسأل نفسي السؤال نفسه، عندما أنظر إلى الاضطرابات الحالية في حرم الجامعات الأميركية بسبب إسرائيل، وقطاع غزة.
الآن، يجب أن أقول إنني أفترض أن معظم المتظاهرين يعملون بأفضل النوايا - لتخفيف المعاناة التي يتحملها الشعب الفلسطيني.
لكن الاحتجاجات لها عواقب سياسية غير متوقعة. ففي ستينيات القرن العشرين، على سبيل المثال، تحرك الملايين من الشباب للاحتجاج على الحرب في فيتنام، وقد أثبت التاريخ موقفهم، لكن «الجمهوريين» سارعوا إلى استخدام تجاوزات حركة الاحتجاج الطلابية لمصلحتهم. في عام 1966، تعهد رونالد ريجان «بتطهير الفوضى في بيركلي» وانتُخب حاكماً لولاية كاليفورنيا. وفي عام 1968، احتفل ريتشارد نيكسون بـ «الأميركيين المنسيين - غير الصارخين، وغير المتظاهرين» وانتُخب لرئاسة الجمهورية. وبعيداً عن أن تؤدي انتفاضات تلك الحقبة إلى حقبة تقدمية جديدة، فقد أعقبتها ما يمكن القول إنها الفترة الأكثر محافظة في التاريخ الأميركي.
هذا النوع من ردود الفعل الشعبية ليس بالأمر غير المألوف. في كتابه الأخير، «إذا احترقنا»، بحث الصحفي التقدمي «فنسنت بيفينز» 10 حركات احتجاجية حدثت بين عامي 2010 و2020 في أماكن مثل مصر وتركيا والبرازيل وأوكرانيا وهونج كونج. وخلص إلى أنه في سبع من تلك الحالات، كانت النتائج «أسوأ من الفشل. لقد سارت الأمور إلى الوراء».
ففي مصر عام 2011، على سبيل المثال، تجمع نحو مليون متظاهر في ميدان التحرير، وأذهلوا العالم بدعواتهم إلى الإصلاحات والحرية. لقد أُطيح بالرئيس حسني مبارك، لكن النتائج المنشودة لم تتحقق. وفي يونيو 2013، خرج ملايين البرازيليين إلى الشوارع للمطالبة بمدارس أفضل، ووسائل نقل عامة أرخص، وبالإصلاح السياسي. ولكن، كما يقول بيفينز، «بعد بضع سنوات فقط، يحكم البلاد الزعيم المنتخب اليميني الذي دعا علناً إلى العودة إلى الدكتاتورية والعنف الجماعي» - وهو جايير بولسونارو الشخصية الترامبية.
لماذا تأتي هذه الانتفاضات الشعبية في كثير من الأحيان بنتائج عكسية؟ يشير بيفينز في كتابه إلى عيوب في الطريقة التي ينظم بها المتظاهرون أنفسهم. ويشير إلى أن هناك عدة طرق يمكنك من خلالها تنظيم الحركات. الأولى هي الطريقة اللينينية، التي تتركز فيها السلطة في يد المرشد الأعلى وأجهزته. أو هناك الأسلوب الذي تستخدمه حركة الحقوق المدنية الأميركية، حيث تعمل شبكة من المؤسسات المنظمة هرمياً معاً من أجل تحقيق أهداف مشتركة، في ظل قادة واضحين وأتباع واضحين.
ثم هناك نوع الحركة التي لدينا في عصر الإنترنت. العديد من هؤلاء المتظاهرين في جميع أنحاء العالم يشككون في الخطوط العمودية للسلطة، فهم لا يريدون أن يتم إخبارهم بما يجب عليهم فعله من قبل القادة الذين نصبوا أنفسهم. إنهم يفضلون حشوداً دون قيادة ولا مركزية ومنسقة رقمياً، حيث يتمكن المشاركون من ارتجال مطالبهم الخاصة.
يتيح هذا الأسلوب الأفقي الفوضوي لجماهير الناس التعبئة بسرعة، حتى لو كانوا لا يعرفون بعضهم. ومع ذلك، فهي مبنية على افتراض هش مفاده أنه إذا خرج الكثير من الناس، فإن الحركة ستحقق أهدافها بطريقة سحرية.
ولسوء الحظ، فإن الحركة اللامركزية غير المنظمة ستكون جيدة في التعطيل، ولكنها لن تكون جيدة في بناء واقع جديد. وكما يقول بيفينز: «إن مجموعة منتشرة من الأفراد الذين يخرجون إلى الشوارع لأسباب مختلفة للغاية لا يمكنهم ببساطة الاستيلاء على السلطة بأنفسهم». وبدلاً من ذلك، تنهض المجموعات التي لديها هياكل تنظيمية تقليدية، مثل الشعبويين الأقوياء، متعهدة بإنهاء الفوضى واستعادة النظام.
اليوم، يشترك المتظاهرون في الحرم الجامعي في هذا الضعف. عندما لا يكون لديك هيكل تنظيمي رسمي، لا يمكنك التحكم في الرسالة. وتحظى التعليقات الأكثر غرابة بالاهتمام. عندما لا يكون لديك هيكل تنظيمي رسمي، لا يمكنك أن تكون واضحاً بشأن المواقف الأساسية. فهل تؤمن الحركة، على سبيل المثال، بحل الدولتين، أم أنها تريد القضاء على إسرائيل، وتطهير المنطقة عرقياً؟
والأسوأ من ذلك أن الاحتجاجات تعزز الديناميكيات الطبقية التي قوضت آفاق الحزب «الديمقراطي» على مدى العقود القليلة الماضية. وكما هو معروف، فإن «الديمقراطيين» أصبحوا حزب النخبة المثقفة والثقافية، و«الجمهوريون» أصبحوا حزب الجماهير الأقل تعليماً. والطلاب الذين يدرسون في أماكن مثل جامعة كولومبيا وجامعة جنوب كاليفورنيا هم في أعلى مراتب الامتياز الثقافي.
إذا كنت تعمل في دوائر ذات مستوى تعليمي عالٍ، فمن السهل أن تحصل على انطباع بأن الشباب منخرطون بحماس في قضية غزة، لكن استطلاعاً للرأي أجري مؤخراً في جامعة هارفارد للشباب سأل الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً عن القضايا الأكثر أهمية بالنسبة لهم. واحتلت قضية «إسرائيل/فلسطين» المرتبة 15 من أصل 16 قضية مدرجة. وكانت قضايا مثل، التضخم والوظائف والإسكان والرعاية الصحية والعنف المسلح أكثر إلحاحاً بالنسبة لمعظم الشباب الأميركيين.
على مدار العقود القليلة الماضية، أصبحت العديد من الجامعات أكثر تجانساً أيديولوجياً ومنفصلة عن بقية البلاد. وكما أشار زميلي «روس دوثات» مؤخراً، فإن طلاب جامعة كولومبيا الذين يدرسون فكر القرن العشرين في «المناهج الدراسية الأساسية» يتلقون أفكارهم من كُتاب مثل «فرانتز فانون»، و«ميشيل فوكو» من منظور أيديولوجي واحد.
لقد أصبحت هذه الدوائر منعزلة للغاية، لدرجة أن المعارك التقدمية اليوم تميل إلى أن تجري داخل مساحات تقدمية، حيث يحاول المتظاهرون الشباب التقدميون الإطاحة برؤساء الجامعات أو رؤساء المنظمات الأقل تقدمية قليلاً. هذه المعارك تؤدي دائماً إلى تقسيم اليسار وتوحد اليمين.
خلال مسيرتي المهنية صحفياً، تعلمت أنه عندما تغطي مسيرة، لا تهتم بالمتظاهرين فحسب، انتبه إلى كل هؤلاء الأشخاص الذين لن يحضروا أبداً ويرفضوا ذلك بهدوء. إذا كنت تغطي الاحتجاجات في أواخر الستينيات، على سبيل المثال، كنت ستتعلم الكثير عن العقود القادمة من خلال إجراء مقابلة مع جورج دبليو بوش أكثر مما كنت ستتعلمه من خلال إجراء مقابلة مع أحد مشاهير الاحتجاجات في تلك الحقبة مثل «آبي هوفمان». فقد كان هوفمان أكثر جاذبية في تلك اللحظة، لكن بوش وكل أولئك الذين أزعجتهم الاحتجاجات، سيتبين أنهم أكثر أهمية.
خلال الأيام القليلة الماضية، أصبح البيت الأبيض والسيناتور تشاك شومر، «ديمقراطي» من نيويورك، أكثر انتقاداً للاحتجاجات المخالفة للقانون. ربما يتعين عليهم القيام بالمزيد من ذلك إذا أردنا تجنب فيلم «ترامب: الجزء الثاني».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»