إن محاولة متابعة السياسة الأميركية بشأن موضوع الانتشار النووي يشبه مشاهدة لعبة الثلاث ورقات على ناصية شارع في إحدى المدن، مع فارق واحد وهو أن سقف الرهان في حالتنا أعلى.
فقيام الولايات المتحدة الأميركية بإعلان أنها وافقت على بيع طائرات نفاثة مقاتلة من طراز "إف- 16" إلى باكستان، من النوع القادر على حمل رؤوس نووية - وهو ما سيؤدي إلى تصعيد سباق التسلح في المنطقة- هو آخر مثال على الكيفية التي تقوم بها إدارة بوش بالتعامل بشكل متسرع وغير حريص مع موضوع، من أهم الموضوعات على سطح الكوكب. ولنتأمل هذه السلسلة الباعثة على الدوار من التصرفات التي حدثت في عهد بوش الثاني:
- قمنا بإضاعة حياة آلاف الأشخاص من العراقيين والأميركيين، ومليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب، بعد أن أخذنا نهول من خطر البرنامج النووي العراقي، الذي كان قد تداعى من وقت طويل، ونتوقع الآن أن العالم سيصدق نفس القصص المخيفة التي نذيعها، عن البرنامج النووي الإيراني.
- ظللنا نتعامل بود مع باكستان لما يزيد على ثلاثة أعوام في الوقت، الذي كانت فيه الأخيرة تسمح بإدارة أكبر سوق فساد دولي للأسلحة النووية شهده العالم في تاريخه.
- قمنا بتخريب المفاوضات مع كوريا الشمالية، عندما أخبرنا حلفاءنا بأن "بيونج يانج"، قد قامت بتوريد مواد نووية إلى ليبيا، على الرغم من أن إدارة بوش كانت تعرف أن البلد المصدر لهذه الشحنات هي "حليفتنا" باكستان.
- قمنا بإنقاذ شركة "لوكهيد مارتين" من إغلاق خط إنتاج طائرات إف-16 بفضل قرار البيت الأبيض برفع حظر تصدير السلاح المفروض على باكستان، والسماح ببيع تلك الأسلحة لها. وهذا القرار ينهي الحظر الذي فرضه جورج بوش الأب على باكستان عام 1990، عقابا لها على قيامها بتطوير ترسانة نووية، هو قرار (القرار الأخير) يتسم بدرجة كبيرة من الغرابة، خصوصا وأنه قد صدر في وقت ننحي فيه على أوروبا باللائمة لقيامها بالنظر في رفع حظر مماثل كانت قد قامت بفرضه على تصدير الأسلحة للصين.
يقول البيت الأبيض إن طائرات أف- 16 هي مكافأة لباكستان على المساعدات التي قدمتها في تمزيق شبكات الإرهاب، على الرغم من أنها كانت قد قامت لعقود بتقديم دعم قوي لتنظيم القاعدة، وحكومة طالبان في أفغانستان. لذلك، يمكننا أن نلتمس العذر لجنرالات باكستان، إذا ما اعتقدوا أن واشنطن ليست مهتمة اهتماما جديا بانتشار الأسلحة النووية. وإلا كيف يمكننا أن نفسر سبب قيامنا بغزو بلد – العراق- لا يمتلك أسلحة نووية، ولم يقم ببيع تقنية نووية إلى دول غير مستقرة، ولم يعقد حلفا غير مقدس مع تنظيم القاعدة، ثم الاستدارة للخلف، ومنح جوائز ضخمة تمثل خلاصة العبقرية العسكرية الأميركية إلى دولة فعلت كل ذلك.
وحتى في الوقت الذي تستمر فيه إدارة بوش في مواجهة إيران بشأن برنامج أسلحتها النووية المزعومة، فإن إسلام أباد اعترفت بأن مهرب الأسلحة النووية الباكستاني عبدالقدير خان - الذي يطلق عليه لقب "أبو القنبلة الذرية الباكستانية"، قد قام بتزويد إيران بأجهزة الطرد المركزي الضرورية لمثل هذا البرنامج. علاوة على ذلك، فإن هناك أدلة جديدة تكشف أن "خان"، قد باع لإيران وليبيا، ليس فقط المواد المطلوبة للقنبلة النووية، ولكن أيضا الكفاءة الهندسية اللازمة لتصنيع قنبلة بالفعل.
ويصر الرئيس الباكستاني "برويز مشرف" على أن خان كان يقوم بإدارة عمليات التهريب النووي تحت مراقبة الحكومة العسكرية، التي جاءت به إلى سدة السلطة. وعلى الرغم من أن ذلك ادعاء مقنع إلى درجة كبيرة، خصوصا إذا ما وضعنا في اعتبارنا مدى قوة المؤسسة العسكرية، ونطاق العمليات التي كان "خان" يقوم بها، فإن البيت الأبيض وجد أنه من المريح أن يبتلع القصة بأكملها، لأن ذلك سيساعده إلى حد كبير، على إعادة تسويق باكستان إلى الشعب الأميركي كحليف في الحرب على الإرهاب.
وفي الوقت الذي كانت فيه باكستان تتمتع بكل ذلك الكرم الأميركي في تطبيق قاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم، فإن كوريا الشمالية أصبحت هي كبش الفداء لإدارة بوش لكل ذلك التكاثر النووي السريع الذي يقع أمام ناظريها على حد تعبير "واشنطن بوست" التي قالت:"في محاولة لزيادة الضغط على كوريا الشمالية، أخبرت إدارة بوش حلفاءها الآسيويين، في إيجازات قدمتها لهم في وقت سابق من هذا العام، أن بيونج يانج قد قامت بتصدير مواد نووية لليبيا. ولم يكن هذا هو ما أبلغت به الاستخبارات المركزية الإدارة، كما جاء على لسان اثنين من كبار مسؤولي الوكالة، كانا على معرفة تفصيلية بما تم في هذا المجال". وأضافت "واشنطن بوست" قائلة: إن هناك مصادر أبلغتها أن دور باكستان باعتبارها المشتري والبائع لمادة "هكسافلوريد اليورانيوم" قد أُخفي للتغطية عليها لأن الإدارة تعتبرها شريكا لها.
ومن بين النتائج التي ترتبت على قصر النظر الأميركي الذي تمثل في هذه المحاولة للخداع، انهيار محادثات منع التكاثر النووي المتعددة الأطراف مع "بيونج يانج". هذا في المدى القصير، أما في المدى الط