ربما كان هذا العام عاماً حاسماً ومحدداً لمصير ومستقبل القارة الإفريقية. ولكن يظل السؤال عما إذا كان الحوار العالمي حول هذا التحول المرتقب للقارة الإفريقية, سيستمر على ما كان عليه في إشاعة الوهم ثم اليأس والإحباط في نهاية المطاف أم لا؟ وفي حال الإجابة الثانية, فإن المتوقع لهذا الحوار أن يفتح الباب على مصراعيه أمام حركة إحياء وانتعاش ونهضة حقيقية في القارة الإفريقية. فقد صدر التقرير الختامي للجنة الدولية الخاصة بالقارة الإفريقية مؤخراً, مع العلم بأن هذه اللجنة تضم في عضويتها 17 عضواً دولياً. هذا وقد خرج التقرير المذكور بتوصيات متعددة وعلى درجة كبيرة من الوعد والتفاؤل والطموح. ومن جانبه فقد أبدى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير التزاماً بوضع القارة الإفريقية في صدر أجندة عمل الدول الصناعية الكبرى الثماني, خلال رئاسة بلاده للجنتها, وخلال رئاسة بلاده لمفوضية الاتحاد الأوروبي أيضاً. ولما كان ذلك هو موقف توني بلير, فقد توفرت له الآن الآلية التي يستطيع بواسطتها تنفيذ هذا الالتزام وترجمته على أرض الواقع.
لكن مع ذلك فإن السؤال لا يزال مطروحاً حول مدى الاستعداد الفعلي لتجاوز الحماس والخطابية والاتجاه الفعلي نحو العمل والتطبيق. أكرر هذا وفي البال أن لحكومات العالم, ومنظماته ومؤسساته الحكومي منها وغير الحكومي, مسؤولية كبيرة إزاء هذا الالتزام. وهل تبدي رؤوس الأموال والاستثمارات العالمية, القدر ذاته من الاستعداد والتشمير عن ساعد الجد؟ ولكن لعل هناك من يثير السؤال في الاتجاه المعاكس: ولمَ يتعين علينا الاهتمام بالقارة الإفريقية من الأساس؟ في الإجابة على هذا السؤال نقول إن هناك فرص استثمار مذهلة في تلك القارة. من بينها وأهمها أن الاتجاه السياسي العام في الكثير من البلدان الإفريقية هو أن رؤساءها وقادتها يجري الآن انتخابهم ديمقراطياً على نحو لم يسبق له مثيل من قبل. بل وبات هؤلاء القادة يدركون أنهم أمام التزام جدي وملح إزاء رشاد وصلاح الحكم, فضلاً عن التزامهم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوبهم, والعمل على رفع وتحسين مستوى الحياة في بلدانهم. وبالفعل فقد حدث تقدم وتحسن كبير وملحوظ على مستوى تنمية الاقتصاد الجزئي في الكثير من بلدان ودول القارة. ومن المتوقع أن يتجاوز النمو في حجم الناتج القومي الإجمالي هذا العام نسبة 5 في المئة. ولذلك فإن من الواجب أن يسفر تقرير اللجنة الدولية المذكور, عن زيادة كبيرة في حجم الاستثمار في القارة, لا سيما الاستثمار في مجال البنية التحتية. كما يتوقع أيضاً أن يتمخض الاكتمال الناجح لجولة "الدوحة" عن تشجيع الاستثمار البيني داخل دول القارة نفسها, علاوة على حفز الاستثمار الأجنبي والخارجي مع دولها. ووفقاً للإحصاءات والتقديرات الاقتصادية المتوفرة حالياً, فإن من المفترض أن يلحظ نحو 900 مليون مواطن من مواطني القارة, تسارعاً ملحوظاً في نمو دخلهم, نتيجة للتغييرات الاقتصادية المرتقبة. كما أن المؤكد أن تحصد المبادرات الاستثمارية المبكرة في القارة, ثمار مبادرتها وسبقها إلى هناك.
ومما لا شك فيه أن على الاستثمارات العالمية أن تتصدى لمسؤولياتها في إفريقيا, سواء على صعيد الاستثمار والتنمية, أم على صعيد التحديات الكبيرة التي تواجه القارة إجمالاً. كما أنه من نافل القول إنه لا يمكن للطموحات الإفريقية أن تتحقق أصلاً, دون أن تدعم هذه الطموحات شراكة استثمارية دولية. ومن هنا فإن واجبنا أن نكون طرفاً نشطاً حيثما تواجدت المجتمعات التي تمثل جزءاً مقدراً من مستهلكينا. كما أن علينا أن نسهم في خير وسعادة تلك المجتمعات التي نعتمد ونعول عليها في حياتنا. وعلى حد قول الإعلان الصادر عن اللجنة الإفريقية الدولية, فإننا: "نلحظ أن الظروف المعيشية للغالبية العظمى من المجتمعات الإفريقية, هي ظروف غير محتملة ولا تطاق, إلى جانب كونها تحط من مكانة الكرامة الإنسانية".
لهذا فإنني أود أن أطرح ثلاثة أسباب تفسر ظواهر الفساد السياسي, وعدم الكفاءة الإدارية, ونقص الأيدي العاملة المدربة هناك, للذين لا يرون في القارة سوى هذه الظواهر وحدها, ويغرقون في التشاؤم والقنوط من إمكان تغيير هذا الواقع وإصلاحه.
أول هذه الأسباب أن القارة الإفريقية تعد محوراً للصراع والنزاع الديني بين الإسلام والمسيحية. ولهذا السبب, فإن الواقع أن أتباع هاتين الديانتين من المجتمعات التي طالما تعايشت في سلام على مر العصور والقرون, أصبحوا اليوم على شفا جحيم الكراهية والاحتراب المتبادلين. ولهذا, فإن من الواجب أن يكون الاستثمار عاملاً حافزاً على مداواة الجراح ورأب الصدع الاجتماعي, وليس عامل تمييز وتفرقة بين المواطنين.
ثاني الأسباب أن في وسع الهجرات الكبيرة الواسعة التي نشهدها اليوم من المجتمعات الإفريقية، أن تخل بالتوازن الاجتماعي وتزعزع أمن وسلامة المجتمعات المضيفة. ومن رأيي أن التصدي الأمثل لمشكلات الهجرة التي تعاني منها الدول الأوروبية والغربية إجمالاً هو علاج هذه المشكلات في مجتمع