يحكى أن راقصة شعبية مفتونة بعودها المياس قررت الهجرة إلى المدينة والبحث عن مرقص لا يدخله إلا علية القوم وكبار المتخمة جيوبهم بالأوراق الخضر، وهي الغريبة بحثت في الذاكرة عن قريب من قريتها يعمل طبالاً في الفرقة الموسيقية التي تدير علبة الليل·
أوصلها الطبال إلى قاعة الرقص وحرك جسدها المكتنز أمام جمهور متعطش وتمايلت على وقع النقر وطار نجمها سريعا والتفت حولها الأعين النهمة التي سرت نظراتها فوق جسدها، على إيقاع الطبلة، خطت خطواتها نحو الشهرة والنفوذ والمال·
ويحكى أن الراقصة لما استبد بها الغرور وقتلتها مشاعر الإحساس بالعظمة قررت كسر أصابع الطبال وخنق الإيقاعات التي كانت سبب شهرتها وسطوتها·
لم يهب أحد لنجدة الطبال الذي كان يتفقد أصابعه المكسورة ورِق طبلته الممزق غير تعيس الحظ الذي اتهم بتشكيل عصابة هو والطبال· قال الأستاذ (تعيس الشقاء) لا فض فوه: لا يمكن اعتبار كل طبال فاسدا ومرتشيا عندما تتمرد عليه راقصة التقطها من قارعة الطريق ليصنع منها نجمة· ولا زال البحث جاريا لفك طلسم اختفاء الأستاذ (تعيس) هل حمل (الشنته) وعاد إلى الريف أم أنه شنق في غرفته الخشبية في الحي الفقير؟
يحكى أن مبتكر النظرية الإعلامية الأكثر إثارة والتي تعنى بموضوع الكذب الإعلامي وتصديق الكذبة والتي يقول شعارها (اكذب اكذب حتى تصدق كذبتك) لم يك ''غوبلز'' وزير الإعلام الداهية للرايخ الثالث وصانع أسطورة الكذب للزعيم الألماني هتلر· ويحكى أن عددا من دهاقنة الإعلام العربي حاولوا لعب ذات الدور ولكنهم فشلوا كثيرا ولم تكن مواهب حبكات كذبهم قادرة على خداع الجماهير ولكن مبتكر هذه النظرية برمتها هو طيب الذكر (ملا نصر الدين) أو جحا كما هو معروف في الذاكرة الشعبية العربية والإسلامية، وهناك وفق بعض الدراسات أكثر من جحا، جحا عربي وآخر فارسي وثالث تركي ورابع لا يعرف له أصل· ويحكى أن أصل الحكاية بدأ عندما أسند جحا ظهره ذات يوم وقبل غروب الشمس على جدار يحيط بقرية مسورة تغلق أبوابها بعد صلاة المغرب لحمايتها من الغزاة وقطاع الطرق وصبيان الإعلام وأن جحا أو ملا نصر الدين كان يقول لكل داخل للقرية إن هناك عرسا في الطرف القصي من القرية وإن أهل العرس يقومون بتوزيع الثريد والفالوذج والزلابيا والبيتزا والهمبرجر والهوت دوج·
المهم في الحكاية أن جحا بعد أن مارس الكذب لعدة مرات وقبل أن يسدل الليل أستاره خطرت على باله فكرة وانتابته الوساوس وتساءل بعدها ترى لو أن هناك عرسا حقيقيا وأن هناك ثريدا وفالوذجا وعصيدا، لو أن كذبته غدت حقيقة واقعة ولو أن كل من جرى صوب مصدر الطعام حصل عليه وتلذذ بطعمه هل يبقى جحا الخاسر الوحيد؟!!
عقد جحا طرف مئزره وهرول باحثا عن مكان العرس، لقد كذب جحا مرة بعد مرة بعد مرة إلى أن صدق كذبته·!!
يصدق الكثير من ضعاف النفوس الكذبة التي يطلقها إعلامي خبيث ويصدقون أنهم الأهم والأكثر أهمية وأنهم يصنعون التاريخ ويرسمون ملامح الجغرافيا وأنهم يكتبون ملحمة الوجود الإنساني وكثيرا ما يصدقون أنهم يكتبون أنشودة الفرح ويمنحون الحياة·
كم زعيما في الوطن العربي خيل إليه أنه متصل بحبل سري بالقوة الخارقة وأنه ممثل للخالق على الأرض وأنه يملك الأرض ومن عليها وما عليها وأنه يمتلك مطلق الحرية في قتل النفس أو إزهاق الأرواح، كم صنع الإعلام العربي نجوما من ورق وأحرقتها أشعة شمس الحقيقة، كم كذب الإعلام وصدق الكاذب والمكذوب عليه القصة وتمادى المكذوب عليه وصدق أنه لولا عبقريته ومواهبه الخارقة لمات الناس جوعا وكمدا ولولا رؤيته الصائبة ما حملت الأرحام أو دفعت الريح أشرعة سفن الإنجاز·
''اكذب حتى تصدق كذبتك'' مقولة أكثر ما تصدق في عالم الإعلام عندما يعتقد القزم أنه صار عملاقا ويعتقد القلم الهش أنه صار مبدعا وتعتقد الراقصة أنها صارت منظرة·
أقزام الإعلام يرون في المرآة العاكسة الكاذبة أنهم أصحاب سطوة وسلطة ولكن مشاعرهم الداخلية تعذبهم كثيرا فهم بحاجة في المساء لمن يكتب لهم الفكرة ويسطر لهم العمود ويتحدث باسمهم في المنتديات وعندما تكون لحظة الحرج حاسمة يقولون إن توزيع الهواتف النقالة على الصحفيين مؤشر على خراب ضمائر الباحثين عن الحقيقة وبل يقولون إن الراشي لا يمكن أن يتسبب في خراب ضمائر المرتشي لأن الراشي حسب نظرية الإعلام الجديدة منزه من السقوط في وحل الخراب الأخلاقي ولكن المرتشي الذي يقبل هاتفا نقالا أو ساعة ذهبية يجب أن ينعت بموت الضمير·
يحكى أنه في عهد أحد الخلفاء أطلق أحد الحساد المقربين لبلاط أحد ولاة الأمصار إشاعة وصلت إلى قصر الخلافة ومفاد الإشاعة أن الوالي أسر إلى أحد حجابه الخلص أنه يتطلع إلى أن يكون قريبا من كرسي الخلافة وأنه قادر على تخليص الخليفة من كل الشرور والدسائس التي تحاك لإسقاط الخليفة من فوق كرسي العرش وأنه وحده ووحده فقط يمتلك أسرار الاقتصاد وصناعة السلاح والهيمنة على كتاب الدواوين وأنه قادر على شراء ضمائر شعراء الولاة كلهم وشعراء الملوك والوزراء في الولايات المحيطة ب