بين عام مر وعام يهل، تتوقف في الأوردة حركة الدم، ويحاول المرء مراجعة كشوفات حسابات الربح والخسارة· ومع كل الحب أبعث لكم أعزائي القراء ببعض بطاقات، نقرأ في عناوينها كثيراً من الحب، وبعضاً من حزن·
بطاقة بلون الدم: ما مر عام ليس في العراق جوع، وحين يعشب الثرى نجوع· وعلى رغم أن خريطة الدم العراقية تنزف لتحيل اللحظات إلى مسرح للقتل ومشاهد من الموت العبثي، فإن إرادة الحياة وقدرة الإنسان على صناعة المستقبل تبقى كبيرة بكبر ذلك النشيد الذي نحت من عظام صدر بدر شاكر السياب وحرقة الألم في وجدان الجواهري، مناجياً دجلة الخير أم البساتين· سيبقى مشهد المحاكمة المسرحية شاهداً على سقوط الطاغية رغم التجبر مرسلاً رسائل لا تقبل التأويل لكل طغاة الأرض فهل من مدكر؟
بطاقة بلون الحليب: لا أعرف لماذا اختار تجار الحليب أول أيام العام الجديد لرفع الأسعار؟ لا أعرف ما هي علاقة سعر الحليب بتقلبات أسعار صرف الدولار وتذبذبات اليورو ؟ إنه جنون السعر الذي كما يؤكد الإخوة التجار سينعكس على ارتفاع أسعار الكثير من السلع، فالمستهلك جَمَلٌ وقع في مسلخ الجشعين، وها قد كثرت سكاكينه·
بطاقة محترقة: أسعار أسطوانات الغاز تهدد بالانفجار وتدعو الناس لتخزين أكبر كمية من الحطب لأغراض الطبخ والنفخ والتدفئة، ونحن مقبلون على شتاء بارد كما يشاع، فمن يوقف وحش الغلاء ومن يرحم أسراً لا تجد ثمن أسطوانة غاز قبل نهاية الشهر أو قبل وصول مساعدة الشؤون نعم مساعدة الشؤون لشراء ما يقيم الأود لأسر مواطنة في دولة الإمارات!
بطاقة بلون الإسفلت: في العام الجديد ومع كل دعوات الحب والتقدير لرجال المرور وتضحياتهم وسهرهم على راحة مستخدمي الطريق وحرصهم على إنقاذ الأرواح والوصول إلى مواقع الحوادث بسرعة قياسية، نقول لهم: كل عام وأنتم بخير ولكن لنا رجاء بأن نمنع الدماء الشابة وقطع اللحم البشري من أن تكون وقوداً للإسفلت الأسود، ووقوداً يحرق روح أم تبكي وليدها وأب يقضي كمدا لفراق فلذة كبده· من يوقف نزيف الدم وقتل الشباب بواسطة النعوش الحديدية الطائرة؟ لرجال الشرطة الشرفاء مع بطاقة العام الجديد، نقول: أنقذونا من تهديد سيارة طائشة وسائق أرعن، ومن قطع الغيار المقلدة، ومن السائق المخمور والسائق المغرور·
بطاقة بلون الخجل: أعرف مشاعر الخجل عندما يكون الضمير في حالة وعي، لون الخجل حالة فلسفية يبدو أنها قد مسحت أو شطبت أو كشطت من قواميس علاقاتنا الإنسانية تحت مقصلة الحياة المادية· ويبدو أن الخجل غادرنا إلى غير رجعة تحت وجع ضلوعنا التي تهشمت بضربات ألواح الزجاج والكونكريت· أخجل كثيراً لحال ذلك المثقف الذي ارتضى أن يتنازل عن الدور وهو ليس مرغماً، ولكنه تخلى من أجل عرض زائل ومن أجل مكسب مادي، وترك خلفه تاريخاً من فكر كان يدعيه ومواقف إنسانية كان يصر عليها باعتبارها رسالته في الحياة·
كم هو مخجل هذا الموقف الذي يتساقط فيه البعض صرعى تحت المطرقة المادية ويخدشون أجمل صورة لهم في عيون ضمائرهم، وفي عيون ضمائر كل من أحب فيهم الطهر والبعد الإنساني·
بطاقة بالأرقام: ساعات العام المحملة بالوعد اقرئي على من نحب السلام وانثري على قارعة طريق عشقنا هذه الأرقام التي تقول: عندما أراد الرئيس الفنزويلي هوجو شافيز مقارعة أميركا بالفكر لا بمنطق القوة خطط لما سماه بالثورة الخامسة، التي ارتكزت على مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية كان أبرزها توزيع الأراضي على الفقراء وعلى المستوى التعليمي، أعاد ''شافيز'' صياغة المناهج بما يتوافق مع أفكار ''سيمون بوليفار'' بل إن ''شافيز'' ذهب إلى حد إعادة طبع مليون نسخة من رواية ''دون كيشوت'' المشهورة، التي تمجّد مفاهيم الشهامة والفروسية المثالية، وتم توزيعها مجاناً على المواطنين في عام ·2004 ويبقى السؤال ماذا قالت هذه الرواية؟ وما هي القيم التي غرستها في ضمائر الجيل الجديد من أبناء فنزويلا؟ ولماذا أصر شافيز على رفع ميزانية التعليم لتصبح 10% من إجمالي الناتج القومي؟ وما هي معدلات الإنفاق المخجلة على التعليم في الوطن العربي؟
سقط المشروع النهضوي العربي وسقطت معه معظم مشاريع التنمية وسقط المواطن العربي أسيراً لنظريات شد الحزام ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة وسوط السرقات والإتاوات مسلط فوق ظهره وتقطعت نياط قلبه وهو يصرخ أين حقي؟ ولم يصل المواطن العربي في أكثر الدول إلى حد الكفاف· وبقي المواطن العربي الشريف مواطناً من الدرجة الأولى في مدن الصفيح والفقر، وبقي دمه النقي وقوداً لمعارك وهمية وحروب عبثية· ولكنه أي المواطن العربي لا زال يعيش في أغلب الدول يستجدي الحكومة ربطة خبز وقنينة زيت· تقول الحقيقة إن تجربة مكافحة الفقر في ماليزيا من أبرز التجارب التي كُللت بالنجاح على مستوى العالم الإسلامي الذي يعيش 37% من سكانه تحت خط الفقر، فقد استطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970-2000) تخفيض معدل الفقر من 52,4% إلى 5,5%؛ وهو ما يعني أن عدد الأسر الفقيرة تناقص بنهاية عقد التسعينيات إلى أكثر من ث