حديث نائب الرئيس السوري السابق عبدالحليم خدام شبهه البعض بالزلزال المدمر بينما نعته البعض بتسونامي السياسة في الواقع العربي المأزوم أصلاً· على مستوى السبق الإعلامي حققت قناة ''العربية'' مرادها، فمن الناحية المهنية كان بث اللقاء نصراً لتحركات هذه الفضائية ليس على مستوى المهنية فحسب ولكن على مستوى الاستئثار السياسي كذلك·
القراءة الواعية والمباشرة للحديث المؤنق سياسياً والذي اختيرت عباراته وكلماته بعناية وسبق إصرار وترصد وقدرة كبيرة على المراوغة السياسية، بطريقة تذكرنا بمراوغة ثعالب السياسة العرب عندما يقعون في مأزق التهرب وتجنب السقوط ضحايا الكلمات والعبارات المرسلة، أقول إن ما قاله السيد خدام وإن كان صادماً ومجلجلاً فإنه لم يأت بجديد فكل سوري منسحق بين خط الفقر والفاقة ومطرقة الاعتقال والبحث عن لقمة العيش، كان يعرف أكثر مما قاله خدام الذي صور وبكاميرا منزوعــــة العدسة بعضـــاً مـــن الواقـــع الاجتماعـــي والمعيشي للمواطــــن الســوري·
والذي لم يقله خدام وحجبه عن المشاهدين الذين التصقوا بالشاشات، هو أنه وإنْ لم يكن على سدة النظام، فقد كان من أهم صانعي القرارات فيه ومن أهم موجهي بوصلة النظام لوأد أية محاولة للإصلاح أو التطوير، وما لم يقله خدام في معرض اتهاماته ما إذا كان يحاول أن يقدم لنا نفسه باعتباره رجل المرحلة القادمة، وأن النظام برمته كان يعرف أن خدام مسؤول عن النفايات النووية المدفونة في صحراء تدمر وغيرها، وهذا الأمر أثير في جلسة مجلس الشعب السوري وتم تناول الذمة المالية للسيد خدام· والأمر المضحك المبكي في السؤال الذي يقول أين كان ''الهتيفة'' في مجلس الشعب السوري؟ عندما كان خدام على رأس السلطة؟ ولماذا تحول الأستاذ بالأمس كما كانت تنعته وسائل إعلام النظام إلى خائن اليوم؟ ولماذا المطالبة باقتياده مخفوراً بواسطة الشرطة الدولية ''الإنتربول'' للمثول أمام القضاء السوري ليحاكم بتهمة الخيانة العظمى وكشف المستور من الملفات السورية وعلاقة هذه الملفات بالمسارات المختلفة ومن أهمها المسار السوري اللبناني وملفات الفساد والرشى وإهدار المال العام، وفق ما ورد على لسان المعارضة السورية؟ أين كان ''هتيفة'' مجلس الشعب السوري قبل أن يسقط الرجل أو قبل أن يرسم لنفسه مساراً جديداً في ضوء سيناريوهات ربما تكون وشيكة التنفيذ بعد أن تحدث هذه الهزة أثرها في زعزعة أركان النظام وتحريك المياه الراكدة في مفاصل الحزب والدولة، تلك المفاصل التي تيبست ولم تعد قادرة على الحركة، أو حتى قراءة الواقع الموضوعي لصيرورة الأحداث، على الرغم أن المشهد العراقي بكل تداعياته لا زال ماثلاً للعيان ولا يقبل التأويل أو المزايدة· هل أدرك السيد خدام وهو واحد من أهم أقطاب صناعة السياسة لأكثر من ثلاثين عاماً أن النجوم قد بدأت فعلاً بالأفول وأن الكاميرا الدولية بقيادة المخرج الأميركي بدأت تدور لتصوير المشهد الثاني من الفيلم الطويل، وأن قطار التغيير الدولي بدأ مرجله في الغليان، وعجلاته بدأت في الدوران، ليكون الطوفان القادم للمنطقة أشد ضراوة وهولا وقوة؟
ولكن السؤال الأهم في هذا السياق هل حجز السيد خدام مقعداً وثيراً في الدرجة الأولى أو حتى درجة رجال الأعمال في قطار التغيير القادم؟ هل منح خدام وعداً من أطراف ليس المهم الآن معرفة هويتها أو جنسياتها؟ أقول هل منح صك غفران وشهادة قبول بأنه رجل المرحلة القادمة؟ وهل كانت هذه المقابلة التلفزيونية الزلزال الارتدادي وبالونة الاختبار التي تم إطلاقها لمعرفة ردة فعل الشارع العربي وخاصة السوري؟ هل في جعبة السياسة الدولية فصول جديدة لهذا الفيلم الكابوس؟
هل كانت ''المقابلة الدراما'' رسالة إعلامية وسياسية تنذر بأهمية قراءة القادم من الأيام مشيرة إلى بدايات تدافع قطع الدومينو وتساقط أحجار النظام أم هي ملامح بداية الاقتلاع قبل هبوب العاصفة الحقيقية والتي كما يرى المحللون السياسيون أنها لن تبقي ولن تذر؟
هل السيد خدام على علم وهو قريب من مطبخ السياسات الدولية بأن العاصفة قادمة وأنه قد منح فرصة ليكون الحصان الذي يمكن أن يقود عربة التغيير؟ المؤشرات كثيرة ولربما يكون أبرزها محاولة عزل سوريا عربياً وحصارها اقتصادياً والحديث من دون مواربة عن الفساد المستشري بين الدوائر المقربة واللصيقة بمن يديرون دفة الحكم· والحديث عن الفساد يقود للحديث عن المستفيدين القلة من تجويع الإنسان السوري في ظل تراكم ثروات مليارية في يد حفنة من المستفيدين؟
كانت ليلة الجمعة 30-12-2005 ليلة فاصلة بين عامين وليلة فاصلة بين تاريخين لرجل مثل عبدالحليم خدام الذي كان واحداً من أحجار رقعة شطرنج السياسة السورية لأكثر من ثلاثة عقود ألم يكن هو وزيراً للاقتصاد في 1996؟ ألم يكن هو صاحب قرار تعديل الدستور ليتيح للرئيس بشار الأسد فرصة الجلوس على كرسي حافظ الأسد عندما كان خدام حاكماً لسوريا 37 يوماً؟ يتساءل المرء عن صحوة الضمير التي تهجم على البعض في غفلة من الزمن أو في طفرة كأنها