لقد تحول مفهوم النظام الدولي في الوقت الراهن من المفهوم الذي تكون فيه الدولة فقط هي المعيار الأساسي لنظام العلاقات بين الدول، كما نصت عليه المادتان الأولى والثانية من ميثاق الأمم المتحدة الذي لخصه صلح وستفاليا منذ 1648 حتى وضع الميثاق، إلى المفهوم الحالي للنظام الدولي الذي يحتفظ بالدولة ويضيف إليها الشركات متعددة الجنسيات ومنظمات المجتمع المدني، أي غير الحكومي، فهو يقيم بينها توازناً يشمل القدرات الاقتصادية والمعنوية والتقانية· وهذا ما يفسر احتلال القوات الأميركية لأفغانستان ثم العراق حيث مارست التدخل والاستعمار وفي مجالات النفوذ والتحالف·
لقد مر النظام الدولي بمراحل مختلفة: الأولى مرحلة التعدد من عام 1648 إلى عام 1945 وتميزت بالدولة القومية التي كانت الأساس للنظام الدولي· والثانية بين عامي 1945 و1991 وهي مرحلة اتصفت بوجود مركزين عملاقين هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي السابق، كما اتصفت بازدياد الدول المستقلة وبظهور فاعلين جدد كالشركات متعددة الجنسيات والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية· ولم يعد لمبدأي السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية الأهمية نفسها التي كانت في السابق وهكذا تعددت وسائل فض المنازعات وبخاصة الاستقلالية· أما المرحلة الثالثة فتميزت بالانفراد الأميركي وعمّت الفوضى خلالها نتيجة قيام الولايات المتحدة بإثارة الشكوك والنزاعات والاحتلالات والتهديدات وفرض ما يسمى بالإصلاحات بالقوة·
وقد ترتب على ظهور النظام الدولي الجديد نتائج كان من أهمها : 1- تراجع في ما كانت تمثله الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة التدمير الشامل، إذا تأكد أن النظام الدولي الجديد يحمي الكيان الصهيوني حماية كاملة، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة الأميركية في مجلس الأمن، 2- ازدياد الأهمية التي باتت تؤديها الآليات الاقتصادية في شبكة العلاقات الدولية، 3- انتشار الصراعات الإقليمية في العالم بشكل غير مسبوق· وقد تأثر الأمن القومي العربي بهذا الذي يطلق عليه النظام الدولي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي يريد أن يفرض على منطقة الشرق الأوسط مشروع الشرق الأوسط الواسع وذلك باعتبار إسرائيل عنصراً أصيلاً في المنطقة·
وكان بن خلدون قد استعرض في نظريته دور العصبية في قيام الدولة، ورأى روبرت غلين أن عملية التغيير عملية تاريخية مستمرة ذات مراحل طويلة، فيما تبنى أورغانسي تفسير التغيير في النظام الدولي من خلال ربط معايير القوة بسلوك الدول التي تنقسم إلى فئات متعددة من حيث موقعها في شبكة العلاقات الدولية؛ فهناك فئة مجموعة الدول القوية القانعة وهناك فئة الدول القوية غير القانعة ثم فئة الدول المتوسطة أو الضعيفة والراضية بحكم الغير عليها، والدول الضعيفة أو المتوسطة والتي تستطيع إذا هي تكتلت ورمت بثقلها خلف الدولة القائدة التي تقود النظام الدولي، أما بول كنيدي فقد اختصر التاريخ كله بصعود وهبوط الدول العظمى فقد ربط صعودها وهبوطها بالاقتصاد وبالقوة العسكرية كما هي الحال في إنكلترا فرنسا في القرنين 18و·19
ونظراً لأن الولايات المتحدة بمحافظيها الجدد تعتبر القطب المسيطر على النظام الدولي وشبكة العلاقات الدولية بسبب تقدمها الاقتصادي والعسكري والتقني إذ أنها تتحدى القوى المنافسة بذلك، فإنها تملك منظمة الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات متعددة الجنسية ومنظمات المجتمع المدني··· أي وسائل التغيير في النظام الدولي الراهن، إلى جانب عوامل أخرى داخلية وخارجية·
وهذا يعني أن وسائل التغيير والتأثير يجب أن تملكها أيضا فئة الدول المتوسطة أو الضعيفة، حتى لا يستمر احتكار القوة على المستوى العالمي، وما يحمله ذلك من مخاطر تهدد الأمن القومي للكيانات الأخرى في العالم، بما فيها الكيان القومي للأمة العربية·