الغريب والملفت للنظر في الأسبوع الحالي، هو هذا الإعلان عن زيادة جديدة في عدد القوات الأميركية في العراق، بواقع ما يصل إلى 20 ألف جندي. والسؤال الآن: هل يثمر هذا القرار عن تحقيق نصر عسكري وسياسي في العراق؟ إليكم الإجابة البديهية دون مقدمات: كلا، على أرجح الظن. بل الأرجح والأقرب بالتالي إلى الصحة هو أن تصرف هذه الخطوة أنظارنا عن قضايا النزاع الجوهرية العميقة، الواجب حلها والتصدي لها في منطقة الشرق الأوسط برمتها. والعجيب أن إدارة الرئيس بوش قد اتخذت قرارها هذا بالزيادة متوسطة المدى لقواتها هناك، وكأن هذا القرار هو الإشارة الوحيدة لما تبقى لها من عزم يمكنها إظهاره في العراق! وعلى الأرجح كذلك أن يصحب تغيير الاستراتيجية المتبعة حالياً هناك، تخصيص مساعدات اقتصادية أكبر من ذي قبل. لكن عندما نأخذ في الاعتبار بحجم ومعدلات العنف الآن، ومظاهر الانفلات الأمني التام، فإن أية جهود تبذل في مجال البنية التحتية وإعادة البناء، ستكون من قبيل صب المزيد من الماء في إناء مثقوب. ولا نجادل في أن زيادة عدد القوات والألوية العسكرية المنتشرة في بغداد، ستساعد في توفير المزيد من التعزيزات ومظاهر الحضور العسكرية في شوارع العاصمة، وكذلك سيكون لها أثر إيجابي في تكثيف تسيير الدوريات الأمنية والعسكرية، إضافة إلى تكثيف حملات تطهير الأحياء والضواحي المجاورة لها. وفي كل هذا ما يشير إلى إمكانية إحراز نصر عسكري مؤقت واضح للعيان، أو حتى حاسم. ولكن كم سيكون حجم هذا النصر ومداه في الواقع؟ إن ما يستوجب إثارة هذا السؤال هو أنه لم يسبق لنا مطلقاً أن توفر لنا عدد كافٍ من القوات في العراق، مقارنة إلى كوسوفو حيث كانت لنا فيها قوة عسكرية قوامها 40 ألف جندي، في مقابل كثافة سكانية تبلغ نحو مليوني نسمة فحسب. وبالمقارنة ذاتها، فإن التناسب المطلوب بين عدد قواتنا في العراق وحجم الكثافة السكانية المحلية، يتطلب أن يكون الحجم الفعلي لقواتنا، حوالي 500 ألف جندي، ما يجعل هذه الزيادة الأخيرة (20 ألف جندي) وكأنها قطرة في محيط، علاوة على كونها جاءت أصلاً متأخرة عن وقتها بزمن طويل. وفوق ذلك كله، فإن أحد العيوب الرئيسية لقواتنا هو افتقارها لمهارات التخاطب والتواصل اللغوي مع السكان المحليين الذين لا يتحدث معظمهم اللغة الإنجليزية، إلى جانب افتقارها للوعي والحساسية الثقافية، وللشرعية السياسية التي تمكنها من البقاء في المناطق والأحياء التي يجري تطهيرها من المتمردين والعناصر الإرهابية. وكان ممكناً حل هذه المعضلة بتوفير المزيد من القوات العراقية. غير أن المشكلة أن عدد هذه القوات أدنى مما هو مطلوب بكثير. وليس ذلك فحسب، بل إنها قوات لا يمكن التعويل عليها في مواجهة تكتيكات ووسائل المليشيات المتمرسة الخشنة، وكذلك أساليب العناصر ذات الولاء الطائفي داخل صفوفها. لذلك وحتى في حال التمكن من إخماد عنف المليشيات والجماعات الإرهابية في بغداد الآن، فإن في وسعها إعادة نشر عناصرها ومواصلة نشاطها المعادي في مدن ومناطق عراقية أخرى لاحقاً. وعليه، فإن ما تؤدي إليه هذه الزيادة لعدد قواتنا هناك، أنها تزيد من تعريض عدد أكبر منهم لخطر الموت والهجمات المضادة التي تستهدفهم، ما يؤدي بدوره إلى تثبيط الروح المعنوية لقواتنا إجمالاً. بل إن الخطر الأكبر هو أن تسفر هذه الزيادة عن تنفير الشارع العراقي وإبعاده عنا، أكثر مما هو حاله الآن. وطالما أن الحل الوحيد في تفكير الإدارة هو زيادة عدد القوات، فإن عليها أن تتأهب للزيادة المقابلة لها في عدد القتلى والمصابين وسط جنودنا، طالما أنه سيجري نشر أعداد أكبر منهم، في الشوارع والمدن العراقية. وذلك هو عين ما حدث للواء من ألاسكا، تم نشر أفراده بعد زيادة عددهم في بغداد، الصيف الماضي. وحتى لو سلمنا جدلاً بتأثير هذه الزيادة الأخيرة في إحباط نشاط المليشيات والجماعات المسلحة المعادية مؤقتاً، فإنه لن يطول بها الوقت لكي تطور حيلاً وأساليب جديدة، تمكنها من تجاوز هذه العقبة الآنية، فيما لو أصرت على استمرار النزاع. ومن المؤكد أن إحدى الفوائد التي يمكن أن تسفر عنها زيادة قواتنا هناك، المساهمة بقدر أكبر في تدريب القوات الوطنية العراقية. بيد أن كسب ولاء عناصر هذه القوات للجيش الوطني، بدلاً من الولاء الطائفي للكثير من أفرادها وعناصرها، أثبتت التجربة العملية أنه معضلة كبيرة بحد ذاتها. فما الفائدة إذن إن كان تدريبنا لا يصب في نهاية الأمر، إلا في خدمة ورفع القدرات العسكرية للمليشيات المعادية لنا؟! وبذلك نصل إلى لب موضوعنا الرئيسي: وهو أن المعضلة الرئيسية الكامنة وراء هذا المأزق العراقي، هي ذات طابع سياسي وليس عسكرياً في الأساس. ومن هنا تنطلق موجة التطهير العرقي الطائفي الشرسة، ومن هنا يزداد صراع مختلف الفصائل والجماعات من أجل السلطة والبقاء. وفي ظل بيئة مسمومة كهذه، فإنه لا يرجح مطلقاً أن ينشأ الحل ويبدأ استقرار العراق بمجرد زيادة عدد قواتنا المرابطة فيه. بل الأقرب للمنطق والحقيقة أن تؤدي هذه الزيادة إلى تأليب مناهضة وجودنا هناك واتساع معارضته، لاسيما من قبل الدول الإقليمية المجاورة للعراق. وعليه، فإن السلاح الفاعل والأكثر مضاءً لحل هذه الأزمة، هو سلاح الدبلوماسية وأدوات العمل السياسي، الكفيل بالتوصل إلى مصالحة وطنية بين العراقيين، والتصدي للتعقيدات والعوامل الإقليمية المؤثرة، بما فيها الأزمة النووية الإيرانية وتطلعات إيران لبسط هيمنتها الإقليمية على المنطقة، وكذلك التصدي لتطورات النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، ومستجدات الأزمة اللبنانية. ولنذكر أن محاولة عزل خصومنا من هذه العملية، أو عادة عدم حل مجمل الأزمات الإقليمية، لم تثمر شيئاً حتى الآن، ولن تجدي فتيلاً في المستقبل أيضاً. ويسلي كلارك قائد أعلى سابق لقوات حلف "الناتو" وزميل أول بمركز بيركل للعلاقات الدولية، جامعة كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"