لا، لا أصدق أنه رالف نادر مرة أخرى، فها هو يعود في عمل ينضح بأنانية صرفة، وهو الذي التزم الصمت حيال مسائل اليوم الرئيسية، وما زال يعتني بجراحه منذ المرة الأخيرة التي أفسد فيها الانتخابات. وها هو يصرّ الآن على فرصة أخرى للعب دور في السياسات الانتخابية على خشبة المسرح القومي. عجباً، أليس لديه أي حس بالمسؤولية والخجل؟
أجل، إن آل غور والمحكمة العليا مسؤولان عن حقيقة أن جورج دبليو بوش قد انتهى به المطاف إلى سدة الرئاسة. لكن لولا وجود نادر في المشهد عام 2000، لاستحال استخدام الخداع لتحقيق انتصار بوش الانتخابي بفارق ضئيل. أمّا حجة نادر في المرة الأخيرة فتبدو هذه المرة عبثية سخيفة، إذ يبدو واضحاً وجود خلافات مهمة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول المسائل التي قضى نادر عمره في إثارتها. فالحزب الجمهوري ماضٍ في حملة ضد البيئة والطبقة العاملة والفقراء والحريات المدنية والسلام العالمي.
أما المسألة الأهم في الانتخابات القادمة فهي أن فوز الجمهوريين سيُلحق ضرراً دائماً بالمبدأ الدستوري الخاص بالشيكات وأرصدة الحسابات. فكيف يجرؤ نادر على تجاهل تعيينات بوش القضائية ورفضه لكونغرس يهيمن عليه الجمهوريون، ليتحدى كثرة كذب هذا الرئيس حول مسائل مهمة كالاحتباس الحراري العالمي وغزو العراق على أساس استباقي كله خداع؟
إن لنظام الأحزاب هنا نواقصه، لكننا ضد هيمنة الحزب الواحد. ومن سفاسف الأمور أن يصرف نادر النظر عن تركز القوة في أيدي أصحاب الأيديولوجيات اليمينيين في محاولة لإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء والتطرق إلى إنجازات الحزبين في السنوات الخمسين الأخيرة. وكم هو سطحي أن يعمد إلى تقييم الخلافات بين الحزبين على طريقة تقييم أداء تلاميذ المدارس!
وكمغنية في نادٍ ليلي تلاشى بريقها، عزف نادر الأغاني القديمة في برنامج Meet the Press على شاشة محطة NBC الأميركية، بل أطلق أيضاً تحذيرات حول قوة الشركات الواضحة. لكنه عزف هذه العلامات بطريقة هي الأرخص في منهجه حتى الآن، فوعد بأنه سينتزع إعجاب الناخبين المحافظين بمهاجمته لما سمّاه دعارة الشركات الموجهة إلى الأطفال والتجارة مع النظام الشيوعي الديكتاتوري الصيني. فهل تعني الإشارة الأولى محاولته القذرة للانضمام إلى القوى الموالية للرقابة باستخدامه الجدل الدائر في برنامج Super Bowel التلفزيوني ليعود إلى أيام البيوريتانيين في الخمسينيات، عندما كانت كلمة "جنس" من الكلمات البذيئة؟ لكن الإشارة إلى الصين كانت محاولة منه لإحياء صورة الحرب الباردة، التي لا تكاد تكون لها علاقة بمشكلات أميركا التجارية لكنها تعود بالفائدة على الإمبرياليين الجدد العازمين على إعادة رسم خريطة العالم.
إن نادر لا يستجيب لمطلب أساسي تولّى هو نقله، بل يحيي شهرته كتحفة إعلامية غريبة الأطوار. وهو لا يحمل تفويضاً من المهتمين جداً بالأسباب التي يدافع عنها. فالنخبوية الطاغية تنضح من ظهوره المفاجئ فوق اعتراضات الكثيرين الذين مشوا وراءه ليتجاوز منظمات حزب الخضر القائمة. ولم يفعل نادر منذ الانتخابات الأخيرة شيئاً ذا أهمية لتنظيم المعارضة الشعبية لكوارث حكومة بوش، لكنه على رغم ذلك يتنازل الآن فيتفضل علينا بالتأكيد على أنه وحده القادر على إنقاذنا.
إن قاعدة نادر ليست بين الذين لقوا أشد المعاناة في السنوات الثلاث الماضية، بل في وسائل الإعلام الجماهيري التي توجد له استعراضاً جانبياً يحوّل الانتباه، فأعلن ترشيح نفسه في برنامج Meet the Press وليس في اجتماع يضم المؤيدين، إذ ما كان له أن يحصل على دعوة إلى مشهد كذاك، ناهيك عن عجزه عن تحقيق البقاء السياسي.
أما المعجبون به، وأنا كنت واحداً منهم، فيعلمون أنه في الانتخابات القادمة ستتعرض أشياء كثيرة للخطر جراء السماح لهذا المحارب القديم المتعالي بدخول النزاع وهو عازم على لعب دور الزعيم. لكن من المؤكد أنه سيلعب الدور، وسيجد الجمهوريون سروراً بالغاً في قدرته على جعل الخطوط غير واضحة في وقت تسوده الانقسامات الانتخابية. من المؤسف أن نادر صار - كمنتجات شركات السيارات التي فعل الكثير لفضحها - غير آمن في أية سرعة ينطلق بها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"