ما حدث خلال الأسبوع الماضي هزّ كل باكستاني من الأعماق، لأن "بينظير بوتو" التي اغتيلت لم تكن شخصاً عادياً، وإنما كانت زعيمة سياسية تولت منصب رئيسة الوزراء مرتين وعاشت فترة في المنفى في الخارج، وعادت إلى البلاد مؤخراً في إطار جهود مبذولة لإعادة البلاد إلى طريق الديمقراطية. وأنا شخصياً أعتبر أنني فقدت باغتيالها صديقة وشريكة في الديمقراطية. لا يزال من المبكر بالنسبة لنا أن نوجه اللوم عن اغتيالها إلى أي جهة، لكن الأمر الذي لاشك فيه، هو أن البلاد تدفع في الوقت الراهن ثمناً باهظاً للعديد من الأفعال غير المبررة التي قام بها شخص واحد. السياسات الراهنة في باكستان هي المسؤولة عن الفوضى الضاربة أطنابها في البلاد، مما أدى خلال السنوات الثماني الماضية إلى تقويض المؤسسات. لقد تحولت باكستان إلى دولة عسكرية، وأصبح ممكناً أن يتم فيها اغتيال رئيسة وزراء سابقة في وضح النهار، وإطلاق النار على تجمعات سياسية كما حدث عندما تم إطلاق النار على أحد تجمعاتي السياسية في نفس اليوم الذي اغتيلت فيه" بوتو". الأيام الحالية في رأيي تُعد من أحلك الأيام في تاريخ باكستان؛ فما نراه يحدث في هذا البلد في الوقت الراهن، ليس سوى الثمن الباهظ الذي تدفعه البلاد بسبب غياب الديمقراطية. وهناك في الوقت الراهن شعور بالإحباط وخيبة الأمل يسود البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وهو ما كنت أشعر به خلال كل التجمعات الانتخابية، التي كنت أحضرها، والتي كان الحاضرون فيها يوجهون لي دوماً سؤالاً واحداً وبسيطاً في الآن ذاته هو: "طالما أن المجرمين يُعاقبون على ما يقترفونه من جرائم، فلماذا لا يعاقب هؤلاء الذين يقومون بتحريف الدستور؟". إن القوى التي قتلت "بينظير بوتو"، هي قوى الظلام والاستبداد، وهي في الوقت ذاته القوى التي تفضل البندقية على العقل والمنطق. حزب "الشعب" الباكستاني الذي كانت تترأسه "بوتو" وحزب "الرابطة الإسلامية" الذي أرأسه أنا، كانا تقليدياً حزبيْن متنافسين، ولكننا كنا نحارب بعضنا بعضاً من خلال الانتخابات فيفوز حزب "بوتو" في بعضها ويفوز حزبي في بعضها الآخر. هذا هو الشيء الطبيعي، وهذا هو تحديداً ما تعنيه الديمقراطية: إن الحزب الذي يحصل على أغلبية الأصوات في الانتخابات هو الحزب الذي يحكم. ولقد أدركت أنا و"بينظير" عندما كنا في المنفى، أن الحزازات بين الديمقراطيين هي التي تجعل مهمة إساءة استغلال الديمقراطية أسهل أمام القوى غير الديمقراطية، وهو ما جعلنا نقرر أن نوحد صفوفنا حتى لا نسمح بتكرار هذه الممارسة الشائنة من قبل المؤسسة الرسمية. إنني أتذكر بكل اعتزاز التقائي بـ"بينظير بوتو" في شهر فبراير من عام 2005 عندما تفضلت بزيارتي في مقر إقامتي بالمملكة العربية السعودية، التي كنت أعيش فيها بعد أن تم نفيي. خلال ذلك اللقاء، أدركت أننا الاثنان نحارب من أجل شيء واحد تقريباً ألا وهو الديمقراطية. وكانت "بوتو" تشاركني رأيي لأنها هي الأخرى كانت تؤمن بحكم القانون وحكم الشعب. ومن ضمن النقاط الرئيسية في ميثاق الديمقراطية الذي تم توقيعه في مايو 2006 تلك النقطة التي تنص على أن الجميع يجب أن يحترموا التفويض الممنوح من الشعب، وألا يسمحوا للمؤسسة الرسمية بممارسة ألاعيب سياسية قذرة وتشويه إرادة الشعب. وبعد الاجتماع الذي عقدته مع الراحلة "بوتو" في جدة، فإننا كنا نتشاور مع بعضنا بشكل منتظم في موضوعات ذات أهمية وطنية ودولية. وفي العديد من المرات حاولنا المواءمة بين استراتيجيتنا، وكان من الطبيعي أن نتفق على أشياء ونختلف على أخرى، ولكننا كنا متفقين في جميع الحالات على ضرورة سحب باكستان بعيداً عن حافة الهاوية. وعلى الرغم من أن حزب "الشعب" الباكستاني كان هو منافسنا التقليدي، فإننا كنا ندرك أنه يمثل قيمة وطنية كبيرة ساهمت قيادته في توفير الإلهام للكثير من الباكستانيين. إن الأحزاب السياسية تمثل ركناً حصيناً من الأركان التي يستند إليها صرح الديمقراطية، وإذا ما كنا نريد لبلدنا أن يمضي قدماً إلى الأمام، فإننا نحتاج إلى قضاء مستقل، وبرلمان لا وصاية لأحد عليه، وإلى أحزاب سياسية قوية تكون مسؤولة أمام الشعب. ومن دون أحزاب سياسية، سينقطع الأمل، وتزدهر السلطوية. الطغاة لا يخشون شيئاً أكثر من قوة الشعب، وهذا هو السبب الذي يجعلهم يحاولون الإيقاع بين الأحزاب ثم يحاولون بعد ذلك تدميرها كي يعززوا أجندتهم، وهو بالضبط ما حدث في باكستان خلال السنوات الأخيرة. وهناك نقطة مهمة يجب على العالم إدراكها، وهي أن سياسات مشرف لم تؤد إلى الحد من الإرهاب، وأن الإرهاب قد أصبح الآن أقوى من أي مرحلة سابقة، بشكل يهدد بتداعيات أكثر بشاعة، لذلك فإنني أرى أن الوقت قد حان كي يقوم المجتمع الدولي بتوحيد صفوفه، والوقوف خلف الديمقراطية وحكم القانون في باكستان. الحل الوحيد للمشكلات التي تعاني منها بلادي يكمن في عملية ديمقراطية تعزز العدالة والسلام والانسجام الاجتماعي وروح التسامح، وتستطيع أن تلعب دوراً فعالاً في تكريس الاعتدال. أما إذا ما استمرت الديكتاتورية، فلا مستقبل لنا. محمد نواز شريف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس حزب "الرابطة الإسلامية" ورئيس وزراء باكستان السابق. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"