بيت القصيد في كل شراكة بين الدول يكمن في الثقة والمسؤولية، بمعنى أن تُطابق الأقوال النوايا، وأن يقترن القول بالعمل. وهكذا تأتي عملية الإنقاذ الدراماتيكية التي قامت بها القوات الكولومبية في 2 يوليو الجاري لإطلاق سراح 15 رهينة، بمن فيهم ثلاثة أميركيين، كانوا محتجزين لسنوات عديدة لدى الميليشيات المتمردة في الأدغال، لتذكرنا مرة أخرى أن الولايات المتحدة لا تملك شريكاً في أميركا الجنوبية أفضل من الحكومة الكولومبية وشعبها. فقد تعهد قادة كولومبيا، وبالأخص الرئيس "أوريبي"، بألا يتم التمييز في التعامل بين مواطنينا المخطوفين وبين العديد من الرجال والنساء الكولومبيين الذين يتقاسمون المصير نفسه في مكان ما وسط الأحراش الكثيفة للغابة الكولومبية. والحقيقة أن كولومبيا لم تخلف وعدها أبداً وظلت ملتزمة بواجبها الأخلاقي دون كلل، بحيث لم تلجأ ولو مرة واحدة إلى عقد صفقة جانبية مع الميليشيات المتمردة تحرر المواطنين الكولومبيين على حساب نظرائهم الأميركيين. ومع أن التضامن في مثل هذه الحالات ليس سهلاً، التزمت كولومبيا بكلمتها وسعت جاهدة إلى تحرير جميع المختطفين دون تمييز. وبإقدامهم مؤخراً على مهمة الإنقاذ الصعبة والخطيرة التي أنجزت على أعلى قدر من الاحترافية والمهارة ودون أن تطلق رصاصة واحدة تمكن شركاؤنا الكولومبيون من الوفاء بتعهدهم وأسدوا خدمة جليلة لنا بتحرير مواطنينا المختطفين. إننا لن ننسى أبداً هذه الخدمة، كما لن ننسى الكولومبيين الآخرين الذين مازالوا محتجزين من قبل الميليشيات المسلحة ويتوقون إلى الحرية والعودة إلى عائلاتهم وبيوتهم. ولئن كان شركاؤنا الكولومبيون قد التزموا بكلمتهم وحرروا المختطفين الأميركيين إلى جانب مختطفين آخرين، فمن المهم التشديد على أن تلك هي القاعدة في تعامل أصدقائنا معنا وليس الاستثناء. ولا شك أن كولومبيا هي إحدى الدول الصديقة للولايات المتحدة في أميركا اللاتينية تحركها الرغبة لمد جسور التعاون مع جيرانها وخلق بيئة تحفز على النمو الاقتصادي وتحقيق الازدهار للمواطنين الكولومبيين. فقبل أكثر من عقد من الزمن واجهت كولومبيا أحد أعنف أنواع التمرد في العالم وأسوئها على الإطلاق، وكان الاقتصاد يعاني من انكماش وتراجع في النمو، فضلاً عن وصول مؤسسات الدولة الديمقراطية إلى حافة الانهيار، لكن كولومبيا مع ذلك قررت وبشجاعة قل نظيرها تغيير واقعها والتغلب على الإكراهات العديدة من أجل مستقبل أفضل. وهكذا انخرطت الحكومة ومعها الشعب الكولومبي في خطة طموحة لتأمين المؤسسات الديمقراطية في البلاد وتطويرها في أفق ترسيخها وإرساء جذورها في التربة الكولومبية. ولإنجاح خططهم الطموحة لم يتردد الكولومبيون في طلب المساعدة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية، وهي المساعدة التي لم تتأخر الولايات المتحدة في تقديمها. فبدءاً من إدارة الرئيس كلينتون وحتى عهد الرئيس بوش، وبدعم من الحزبين معاً في الكونجرس، حرصت الولايات المتحدة على الوقوف إلى جانب كولومبيا ومساعدتها على النجاح والتقدم. واليوم تتحدث النتائج عن نفسها. فقد تكلم أصدقاؤنا الكولومبيون عن محاربة الإرهاب الداخلي الذي يزعزع استقرار البلاد ويبث الرعب في قلوب المواطنين العاديين وتعهدوا بإخراج بلدهم من دوامة العنف والفوضى، وقد نجحوا في ذلك. وتعهد الكولومبيون أيضاً بالتصدي لمظاهر الإقصاء الاجتماعي والتهميش من خلال استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية وإشراك المواطنين في السياسة، وقد نجحوا في ذلك. وقالوا إنهم سيفتحون أسواقهم ويتبنون التجارة الحرة والعادلة للجميع، وخلق الفرص المناسبة للمواطنين، وتمكنوا من تحقيق ذلك. ونجح الكولومبيون أيضاً في حماية حياة المواطنين وضمان الأمن للجميع بمن فيهم المنتمون إلى الاتحادات العمالية، حيث تراجعت معدلات الجريمة واتسعت دائرة فرض القانون والنظام. وفي هذا الإطار قامت حكومة الرئيس "أوريبي" بخطوة مهمة بموافقتها على ترحيل 15 مطلوباً من تجار المخدرات وقادة الميليشيات شبه العسكرية لتتم محاكمتهم في الولايات المتحدة على خلفية جرائم ارتكبوها ضد مواطنين أميركيين. وعلى امتداد الطريق التي قطعته كولومبيا لتحقيق أهدافها كانت الولايات المتحدة حاضرة في كل خطوة. واليوم وفي ظل هذا الزخم والتقدم الممتد على مدى عقد من الزمن، وعلى ضوء الاستقرار الذي حققته كولومبيا، بالإضافة إلى تعهد الحزبيين الأميركيين معاً بضمان المصالح الأميركية في منطقة قريبة من حدودنا، فإن أسوأ ما يمكن أن نقوم به هو التخلي عن مساعدتنا لكولومبيا والتنصل من التزاماتنا تجاهها. والمؤسف أن ذلك بالضبط ما سيقدم عليه الكونجرس الأميركي إذا لم يصادق على الاتفاقية الأميركية- الكولومبية حول التجارة الحرة، التي يسعى بعض المشرعين إلى نسفها كلياً. فبالإضافة إلى ما تشكله هذه الخطوة من صفعة قوية على وجه شركائنا الكولومبيين بعدما تعهدنا بمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم، فإن التضحية باتفاقية التجارية الثنائية بين البلدين على مذبح السياسة الداخلية الأميركية وصراعاتها الانتخابية لن يكون في صالح العمال الأميركيين. وإذا كان أكثر من 90% من السلع والبضائع الكولومبية تدخل الولايات المتحدة اليوم دون رسوم جمركية، في حين تفرض 35% من الضرائب على الصادرات الأميركية، فإن ذلك يمكن معالجته بإعادة المفاوضات وإتاحة الفرص نفسها للعمال الأميركيين دون الحاجة لإلغاء الاتفاقية. والواقع أن تمرير اتفاقية التجارة سيكون تتويجاً لشراكتنا مع كولومبيا، وستساعد الحكومة الكولومبية وشعبها على صيانة المكتسبات الديمقراطية والاقتصادية التي تحققت على مدى السنوات الماضية. وسيؤشر اتفاقنا التجاري معها إلى أن كولومبيا، على غرار باقي أصدقائنا في أميركا اللاتينية، قادرة على استقبال الاستثمارات الخارجية والتنافس الاقتصادي على الساحة الدولية. وستؤكد الاتفاقية أيضاً أن مستقبل العالم في أيدي المواطنين الديمقراطيين، سواء في "اليمين" أو "اليسار"، الذين يريدون من قادتهم المنتخبين أن يحكموا بالعدل ويحترموا القانون، وبأن يعززوا الحريات الاقتصادية ويستثمروا في شعوبهم. ولا شك أن المصادقة على الاتفاقية ستبعث برسالة إلى العالم مفادها أن الولايات المتحدة تفي بتعهداتها التي تقطعها لأصدقائها وحلفائها. لقد وقفت كولومبيا إلى جانبنا، كما وقفنا نحن إلى جانبها، وما كنا لننجح معاً لولا هذا التعاون المشترك، لذا علينا ألا نعرض ثمار تلك الشراكة والتعاون للخطر، بل علينا الالتزام بكلمتنا تجاه كولومبيا تماماً كما فعلت هي تجاهنا، وأي شيء أقل من ذلك لا يليق أبداً بأميركا وبالطريقة التي يجب التعامل بها مع شركائنا الأوفياء.