لا أحد يستطيع أن يزعم حبه للرئيس بوش. ولا أحد يتحمس للسعي من أجل إجراء تعديل دستوري يخوله الاستمرار في شغل منصبه الرئاسي لولاية ثالثة. ولكن أليس صعباً تخيل الحياة من دونه على رغم كل شيء؟ فجورج بوش يبقى رئيساً موحداً لأمته في نهاية المطاف، لكونه حقق ما يشبه الإجماع الأميركي العام على كراهيته وكراهية إدارته. وسنفتقد فيه لاشك، ذلك الرئيس الذي صرح قائلاً ذات يوم: إن أعداءنا يتسمون بالابتكار ولهم موارد كثيرة... وكذلك حالنا نحن. وأعداؤنا لا يكفون عن التفكير في ابتداع وسائل وطرق جديدة ليؤذوا بها بلادنا... وكذلك نفعل نحن! كما سنفتقد فيه ذلك الرئيس الذي عبر عن تعاطفه مع مواطنيه قائلاً في أحد خطاباته: أعلم أنكم تعملون بجد من أجل "وضع المزيد من الطعام على عائلاتكم". فبعد أن يذهب بوش، من أين لنا برئيس يتحفنا بهذه الأخطاء الأسلوبية واللغوية الباعثة على السخرية والتهكم من بعده؟ إياكم أن تتطلعوا إلى خلفه باراك أوباما على أنه تعويض محتمل عن هذا الفقد العظيم. فهو أبعد من أن يتسم بالطرافة اللغوية، لكونه طليقاً فصيح اللسان ولا ينطق إلا بجمل وعبارات مشحونة ومتماسكة لغة ومعنى. ولكن لعل السؤال المهم الآن: من سيكره الأميركيون بعد ذهاب الرئيس بوش؟ فقد منحنا هذا الرئيس الكثير من الأسباب والدوافع التي ولدت فينا مشاعر كراهيته. دع عنك سياساته الهوجاء في الوقت الحالي، ولنتحدث هنا عن تعثر لغته وطريقة ضحكه وانفعالاته وغضبه. فبينما تستطيع الأمم الأخرى تقديم قادة يستطيعون مخاطبة أممهم باعتبارهم أفراداً راشدين، ما الذي ابتلى بلادنا بهذا الرئيس الذي يتصرف كما لو كان لم يتخط عمر العاشرة؟ أما عن عدم كفاءته لتولي أعلى منصب قيادي في البلاد، فهو مما ينفطر القلب له ويثير الأحزان بقدر ما يثير الغضب ويدفع بالمرء إلى حافة الجنون. ولنأخذ لهذا هنا مثالاً واحداً هو تصريحه القائل: "لقد أنجزت المهمة" والحديث هنا عن اكتمال مهمة الحرب العراقية في مايو من عام 2003، في حين أن الحرب التي أعلن عن إنجاز مهمتها لا تزال مستعرة هناك إلى اليوم! وهل هناك من يبدي استعداداً منكم للاستماع لتعليقات بوش عن الاقتصاد؟ ثم هناك قائمة "جرائم" إدارته -وقد قصدنا استخدام هذه العبارة حرفياً- بالنظر إلى مخالفة إجراءات وأساليب التحقيق التي اتبعت مع سجناء الحرب على الإرهاب -وهي الأساليب التي أجازها بوش- لكافة القوانين الفيدرالية، ناهيك عن المواثيق الدولية، التي تحرم ممارسة التعذيب بحق المعتقلين والسجناء. فكل هذا وغيره كثير جداً، ما جعل من بوش هدفاً سهلاً لإثارة الكراهية العامة له ولإدارته. فبحلول نهاية شهر ديسمبر المنصرم، أشارت نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجريت، إلى اعتقاد ما يزيد على ثلثي الأميركيين أن بوش سيكتب اسمه في التاريخ باعتباره من أضعف الرؤساء الأميركيين أداءً. بل هناك نسبة 28 في المئة من المستطلعة آراؤهم تصفه بأنه "أسوأ رئيس" عرفته أميركا في تاريخها الطويل. ولكن علينا أن نعترف بأننا ندين لبوش بفضل واحد علينا جميعاً، هو منحنا الرئيس أوباما، الذي تتجاوز شعبيته في أوساط الأميركيين نسبة الـ80 في المئة. وقد اكتسب أوباما حق كونه مرشحاً للتغيير الرئاسي، لأنه بدا في عيون غالبية الناخبين، المرشح الأكثر بعداً عن الشبه ببوش بين كافة المرشحين المنافسين له في السباق الرئاسي. لا أقصد بهذا التقليل بأي درجة من الدرجات، من جاذبية رسالة أوباما ولا السياسات التي عبر عنها خلال حملته الانتخابية. فقد أكدت تلك السياسات على قيمة الأمل وإشاعة العدل، إلى جانب تأكيدها لرؤية التوافق الاجتماعي والعطاء والتطلع إلى مستقبل أميركي متحرر من الخوف والقلق والهواجس. وكل ذلك ما أضفى على حملته الانتخابية طابعاً في غاية الإيجابية. ولكن السؤال هو: إلى أي مدى كان لذلك المنحى الإيجابي تأثيره المحتمل على كسب تأييد الناخبين للحملة، فيما لو لم يكن كيل الغضب الشعبي العام من إدارة بوش وسياساتها الرعناء قد فاض سلفاً بالأميركيين؟ أثير هذا السؤال انطلاقاً من إدراكي لحقيقة أن أبحاث علم النفس تؤكد بشدة، سهولة وسرعة بناء مشاعر التضامن السياسي الاجتماعي بين الأفراد والجماعات، على أساس المشاعر السلبية مثل الغضب والاستياء والكراهية، بدرجة أسهل وأسرع بكثير من بناء المشاعر نفسها على أساس المشاعر الإيجابية، مثل الحب والأمل والسخاء. وكثيراً جداً ما تتوحد مشاعر البشر حول شعور عام بمعارضة قوة ما تهدد كيان الجماعة الاجتماعية، سواء كانت تلك القوة داخلية أم خارجية، وبصرف النظر عن كونها حقيقية أم وهمية. وبالمثل تسهل كثيراً إثارة المشاعر العامة ضد شيء ما بدلاً من تعبئتها لصالح شيء آخر. فعلى سبيل المثال يسهل تأليب المشاعر العامة ضد الشيوعية، أكثر من استقطابها لصالح التعاطف مع الرأسمالية. وبذات المنطق تسهل إثارة المشاعر المعادية للسامية أو ديانة ما، من استقطاب المشاعر العامة لصالح الاعتزاز الجماعي بالتسامح الديني العرقي. ولكن لا يعني ذلك عجز المجتمعات عن أن تدفعها المشاعر الموضوعية، أو الجمع بين المشاعر السلبية والإيجابية في آن واحد، مثلما فعل مجتمعنا بكراهيته لبوش وترحيبه بإيجابية أوباما. وعلى أي حال، فقد نكث بوش بالكثير من وعوده الانتخابية لحظة ترشيحه، عدا عن وعد واحد ألا وهو توحيد أمته. فهو سيخلف وراءه أمة موحدة بالفعل، ولكن ربما ليس على النحو الذي أراده أو تمناه، حين وصوله إلى البيت الأبيض. ـــــــــــــــــــــــــــ روزا بروكس أستاذة الإعلام بجامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"